جاري التحميل

محمد بهجة الأثري

الأعلام

محمد بهجة الأثري([1])

صحائف الخلود للعبقرية المشرقة

الشيخ محمد بهجة الأثري

(1904م)

لقد أشفقت على نفسي عندما مسكت اليراع لأسجل في هذا السفر تاريخ أحد أعلام العرب الشوامخ في ترجمة مهما اتسعت فإنها لن تلم بأطراف حياة هذا النابغة العلمية والأدبية.

وأرى لزاماً علي أن ألمع في سطور التاريخ بأنني قمت في شهر كانون الثاني سنة 1956م برحلة إلى العراق، موطن الفلاسفة والنوابغ، للوقوف على بعض المعلومات التي لا بد من التنقيب عنها ودرسها لإثباتها في هذا السفر التاريخي.

وليس ثمة ريب في أن سماء الرافدين خفقت بأسماء، هي أعلام قومية، نهضت وشقت طريقها إلى الهدف الأسمى، وعملت على تشييد صروح لخدمة الإنسانية والثقافة، ولا شك في أن الأمة الناهضة لا تحيا إلا إذا كانت تقودها شخصيات اتقدت في قلوبها جذور التجرد والإخلاص، وانطوت نفوسها على محاسن الأخلاق وطهارة الأعراق والمناقب السامية، ولقد رأيت من الواجب تكريم النابغين المستحقين للتكريم والخلود ليكونوا قدوة حسنة، وإن في ترجمة هذا العلامة الأجل، حامي حمى لغة القرآن، وصاحب الرسالة الثقافية القومية، وخليفةالألوسيين، وصنو العالمين الجليلين المرحومين مصطفى صادق الرافعي ومحمد سليم الجندي ما يقصر البيان واليراع عن وصفه وتكريمه.

أصله: هو النابغة محمد بهجة الأثري بن محمود بن عبد القادر بن أحمد بن محمود، وأصل أسرته من ديار بكر بن وائل، وقد نزح منها جده الأعلى إلى شمال العراق إثر خصومة بينه وبين الوالي، فنزل (إربل) غير أنها لم تتسع آفاقها لمطامح الأسرة، فنزحت عنها وقدمت بغداد قبل قرنين وأثلت فيها تجارة ومسلكاً، وامتدت صلاتها التجارية إلى الهند، فعرفت هذه الأسرة في بغداد (ببيت الإربلي).

لقب الأثري: أما لقب الأثري الذي غلب عليه فله سبب طريف، فقد اتصل في أواخر العقد الثاني من عمره بالدراسات العربية الإسلامية، فرأى في بعض كتب الفقه الحنفي نصًّا يؤذي الوحدة الإسلامية، فثار غاضباً على مؤلفه، وقال لأستاذه العلامة علي علاء الدين حفيد أبي الثناء الألوسي المفسر المشهور: إنه يريد أن يقرأ (فقه الحديث النبوي) لا (فقه الرجال)، فقال له أستاذه ـ وكان من أحرار العلماء ـ : أوتريد أن تكون أثريًّا؟ فقال المترجم الأجل: وما الأثري؟ قال: هو الذي يتبع الأثر؛ أي: أقوال محمد ﷺ وأفعاله، ولا يعرج على آراء الرجال، ومن اليوم التالي بدأ يقرئه كتاب الشهاب في المواعظ والحكم والآداب للقضاعي، وقد حفظ منه ألف حديث من أحاديث الرسول الأعظم ﷺ، وهي ثاني مصادر البلاغة العربية التي فني في عشقها بعد كتاب الله، ثم مضى في التوسع في الحديث، فقرأ على الإمام العلامة المرحوم السيد محمود شكري الألوسي صحيح الإمام مسلم كله، مستنبطاً منه (فقه الحديث)، واتخذ من هذا العهد (لقب الأثري)، وصار يدعو إلى الاجتهاد وطرح التقليد المذهبي، وزاده استغلال المستعمرين لاختلاف المسلمين في مذاهبهم وقومياتهم عنفاً في الدعوة إلى هذا المنزع القويم.

مولده: بزغ نجم هذا النابغة في سماء بغداد سنة 1904م في بيت معروف من بيوت التجارة والثراء، ونشأ ببغداد فتعلم الخط والقراءة على امرأة في كتاب أهلي في حي الرصافة، وتعلم القرآن الكريم في كتاب آخر وأتمه وهو ابن ست سنوات.

مراحل دراسته:دخل مدرسة البارودية الابتدائية ونال شهادتها، وكان ميل أبيه الى تنشئته ضابطاً، فانتسب إلى المدرسة الرشدية العسكرية، ولكن بنيته الضعيفة لم تنهض بمشاق التدريب العسكري فمرض، ولما نجا من مرضه دخل المدرسة السلطانية، فلبث فيها إلى آذار سنة 1917م وهي سنة احتلال الإنكليز بغداد، وفي هذه المرحلة من دراسته تعلم اللغة التركية، ودرس مبادئ اللغتين الفارسية والفرنسية، وعيّن له أبوه معلماً يعلمه الفرنسية خاصة، وأمضى صدراً مـن فتـرة الاحتـلال البريطاني في مدرسة الأليانس الإسرائيلي لتعلم اللغات، ولا سيما الفرنسية والإنكليزية، ولم يكن بالمدينة مدرسة نظامية سواها إلا بعض المدارس الابتدائية ودورة لتخريج المعلمين.

دراسة اللغة العربية: ساء أباه أن ينشأ فتاﻫ وهو بكرﻫ وقد وجده لا تستقيم له قراءة الجرائد العربية، جاهلاً بلغة قومه وعلوم دينه وتاريخ حضارة العرب والإسلام، فوجهه للتخصص بالعربية والشريعة، وكان جيل أساطين العلماء الأعلام ببغداد يكاد ينصرم، فاتجه إلى ما أراده أبوه له برغبة فائقة، وأتاح له حظه أن يدرك نفراً من أجلّ شيوخ العلم مكانة وفضلاًوتقوى، وأسعده الله فأخذ عن العلامة الفقيه الأديب الشاعر النبيل المرحوم علي علاء الدين الألوسي، ثم عن إمام العصر وخاتمة المصلحين المرحوم السيد محمود شكري الألوسي، فلازمه أربع سنوات إلى وفاته ونهل من ورده الصافي، ثم استقل بعده، وقلّما أخذ عن غيره، وفي أثناء هذه الملازمة بدأ ميله إلى النثر والنظم والتأليف، وسرعان ما بكر في النشر في صحف بغداد، وهي: دجلة، والعراق، والاستقلال، والعاصمة، والعالم العربي، والناشئة، وغيرها.

الصراع الأدبي: دخل هذا النابغة الأجل مع الشاعر المرحوم جميل صدقي الزهاوي في معركة أدبية دفاعاً عن شوقي أمير الشعراء، فكتب في ذلك (22) مقالة في جريدتي العاصمة والعراق، كما اشتبك مع الشاعر المرحوم معروف الرصافي وغيره في معركة السفور والحجاب، وتولى رئاسة تحرير مجلة (البدائع) الأسبوعية لتكون ميدان جهاده الأدبي والاجتماعي، ومال كذلك إلى نشر التراث العربي، وشرح كتب أستاذه الألوسي وطبعها، فنشر كتاب مناقب بغداد لابن الجوزي، وأدب الكتاب للوزير أبي بكر الصولي، وشرح كتاب الضرائر وما يسوغ للشاعر دون الناثر، وكتاب بلوغ الأرب في أحوال العرب للألوسي، وغيرها.

أنجز كل هذه الأعمال ولما يبلغ الحادية والعشرين من عمره مع قرب عهده بعلوم اللغة العربية وفقه الشريعة، وكفاه شرفاً واعتزازاً أن تقمصت فيه روح الألوسي الصغير أحد عباقرة الدهر، ولا عجب أن اتجهت إليه الأنظار، فكان محل الأمل ومعقد الرجاء في دفاعه عن لغة الضاد والقومية والأخلاق وهو في فجر نبوغه.

في خدمة العلم: استدعته جمعية (التفيّض الأهلية) لتدريس آداب اللغة العربية في مدرستها الثانوية، فدرس فيها سنة سافر على أثرها إلى سورية ولبنان، ثم لم تلبث وزارة المعارف بعد عودته إلى بغداد أن ندبته للتدريس في (الثانوية المركزية ) ببغداد، فدرس فيها زهاء شهر، ثم انقطع بسبب استفحال مرضه، فبقي عاماً وهو يستشفي إلى أن برئ، فاستدعته الوزارة ثانية في سنة 1926م وثابر على التدريس إلى تموز سنة 1936م، وتخرج على يده جيل مثقف يشغلون الآن أخطر المراكز في الدولة، وكان المربي الناصح وصاحب الفضل في بث الروح الوطنية في نفوس النشء الحديث.

رحلاته: وفي هذه الفترة بين سنتي 1926 ـ 1936م ألف ونشر كتباً عدة في التاريخ وتاريخ الأدب وغيره، وقام برحلات كثيرة إلى سورية ولبنان وفلسطين ومصر وتركية واليونان، بعضها للاستشفاء والاصطياف، وبعضها في شؤون رسمية وقضايا عربية عامة.

وبعد عودته من رحلته الأولى إلى مصر أسس جمعية الشبان في سنة 1928م لرفع مستوى ناشئة المسلمين الروحي والخلقي، وهي أول جمعية إسلامية أسست في العراق والأثر الباقي في خدمة المجتمع ورعاية المصالح القومية والوطنية والقيام بالدعوة إلى الإصلاح الديني في مجلتها (العالم الإسلامي) التي تولى رئاسة تحريرها، كماشارك في تأسيس جمعية مشروع الفلس.

المحنة الأولى: وفي سنة 1927م نشر كتاب (مهذب تاريخ مساجد بغداد)، فأثار ضجة كبرى، وجمع الكتاب وحظر بيعه وسيق إلى المحاكمة، فحوكم على آرائه التي ضمنها إياه، وبعد لأي كسب المعركة فبرأت ساحته، ونشرت جريدة العراقدفاعه عن آرائه في المحكمة.

في المجمع العلمي العربي: وتجلت مواهبه وذاع صيته فانتخبه المجمع العلمي العربي سنة 1931م عضواً تقديراً لخدماته العلمية والأدبية، وما انتجته قريحته الفياضة من مؤلفات نفيسة.

خدماته القومية: وفي سنة 1931م سافر إلى القدس تلبية لدعوة مفتي فلسـطين الأكبـر لتمثيل بلاده فـي المؤتمر الإسلامي العام، فشارك في أهم أعماله ولا سيما في لجنة الجامعة الإسلامية مع محمد إقبال ومحمد رشيد رضا والثعالبي وعلي علوية وأمثالهم من الأقطاب، ونشرت صحف فلسطين يومئذ أحاديثه ومناقشاته وقصيدته الكبرى في ليلة الاحتفال بافتتاح المؤتمر في المسجد الأقصى المبارك، وشارك بعد عودته وزملائه العراقيين من أعضاء المؤتمر في تأسيس جمعية المؤتمر الإسلامي العام ببغداد، ثم في تأسيس فرعه في النجف مع العلامة محمد حسين آل كاشف الغطاء، وانتخب عضواً في جمعية الطيران العراقية، وفي سنة 1936م قررت الوزارة الهاشمية إصلاح الأوقاف والمعاهد الدينية، فأوفدته إلى مصر لدرس أوضاع الأوقاف فيها وزيارة معاهد الأزهر وعقد الصلات مع مشيخته، فقام بمهمته خير القيام، ولقي من الإمام المراغي عناية خاصة به، وبعد عودته رفع إلى رئيس الوزراء ياسين باشا الهاشمي تقريراً مسهباً حاز إعجابه، فأسند إليه في تموز سنة 1936م مديرية أوقاف بغداد تمهيداً لتنفيذ آرائه الإصلاحية، وما كاد يتاح له الشروع فيما عهد إليه من ذلك حتى طوحت حركة بكر صدقي بالوزارة الهاشمية في 29 تشرين الأول سنة 1936م.

في العهد البغيض: وتعرض المترجم الحر الأبي في جملة من تعرض من الأحرار لعدوان هذا العهد البغيض، إذ تلقى بعد ثلاثة أيام من قيامه إنذاراً بقتله إن لم يغادر العراق، فأخذ الحيطة وسلم كتاب الإنذار إلى مدير الشرطة ولم يبال بأحد وداوم في وظيفته، إلى أن أصيب بموت طفل له في صيف سنة 1937م فسافر إلى سورية ولبنان تنفيساً عن كربه، فلم يكد يستقر به المقام في دمشق حتى بلغه مصرع بكر صدقي وانحلال عصابته وقيام وزارة جميل المدفعي.

وقد ندب وهو في دمشق لتمثيل جمعية الشبان المسلمين في مؤتمر بلودان، فشخص إليه وشارك في أعماله.

في خدمة لغة القرآن: كانت طبيعة الاتجاه السياسي في هذا العهد الجديد بالعراق تدعو إلى إعادة الأمن وبعث حالة من الاستقرار تشمل جميع مرافق الدولة، فرأى المترجم أن ينصرف عن الإدارة إلى خدمة لغة القرآن، فأسند إليه منصب تفتيش اللغة العربية بديوانوزارة المعارف، وقد لبث في هذا المنصب إلى سنة 1941م، إذ نشبت الثورة العراقية على الإنكليز في أثناء الحرب العالمية الثانية، فآزرها وأجج بشعره نيرانها، فلما تغلب الإنكليز وجيء بالسيد جميل المدفعي وطلب إليه معاقبة زعماء الثورة ومؤازريها البارزين لم يشأ أن يجاريهم في تنفيذ جميع مطاليبهم، فأخذ يسوف ويتلكأ، ولم ينفذ إلا قليلاً مما أرادوا، إلى أن ضاقوا به ذرعاً فطوحوا به، وقد سلم المترجم طوال عهده إلا من تضييقه بمراقبة الجواسيس له في غدواته وروحاته ومجالسه.

المحنة الثانية: بعد إسقاط وزارة المدفعي شنت حملة عنيفة على الوطنيين الأحرار، فقبض على هذا النابغة الأجل في منتصف ليلة 20 تشرين الأول سنة 1941م ونفي إلى معتقل (الفاو) سجيناً بين السباخ والمستنقعات، فساءت صحته، ثم نقل مع من نقل من المعتقلين إلى المعتقل الجديد بسامراء، وبعدها إلى معتقل العمارة، وأقام في الاعتقال ثلاث سنوات مجرمات، حتى أطلق سراحه في 27 أيلول سنة 1944م، وفي فترة الاعتقال جادت قريحته فنظم ديوان (وراء الأسلاك الشائكة)، وقرأ الفارسية والإنكليزية، وأقرأ نفراً من المعتقلين المنطق والنحو والأدب.

عودته إلى بغداد: عاد إلى بغداد معتقلاً ينوء بالمرض، فلزم العزلة إلى أن عاودته صحته ونشاطه، فعاد إلى المساهمة في أعمال الجمعيات التي أسسها، وانبرى يخطب في الحفلات العامة، و يخص فلسطين وقضايا البلاد العربية بقسط وافر من خطبه وقصائده البليغة.

مراحل خدماته الاجتماعية: انتخب في سنة 1947م عضواً بلجنة الترجمة والتأليف والنشر التابعة لوزارة المعارف، وفي هذه السنة اختير رئيساً للوفد العراقي إلى المؤتمر الثقافي العربي الأول الذي عقدته جامعة الدول العربية ببيت مري بلبنان في 9 أيلول سنة 1947م، وفي هذا المؤتمر انتخب رئيساً للجنة اللغة العربية والقواعد، وانتخب عضواً عاملاً بالمجمع العلمي العراقي الذي أنشأته الحكومة العراقية في سنة 1948م، ثم انتخب نائباً ثانياً لرئيسه، فنائباً أول، ولا يزال، وطبقت شهرة مواهبه الفذة الآفاق العربية، فانتخبه فؤاد الأول للغة العربية (مجمع اللغة العربية) الآن بالقاهرة سنة 1948م عضواً مراسلاً تقديراً لعلمه.

وفي وزارة الصدر أعادت تعيينه مفتشاً اختصاصيًّا للغة العربية بوزارة المعارف، وصدرت الإدارة الملكية بذلك في مايس سنة 1948م، ولا يزال يشغل هذا المنصب المرموق.

محاضراته: وفي سنة 1950م عين محاضراً في القسم العالي من كلية الشرطة للآداب العربية وفلسفة الأخلاق، ولا يزال مواظباً على ذلك.

وفي سنة 1951م ندب لمؤتمر الدراسات العربية بالجامعة الأمريكية ببيروت، فلبى الدعوة وألقى فيه محاضرة بليغة في (اتجاهات الإسلام الحديثة).

وفي سنة 1953م انتخب عضواً في مجلس شورى الأوقاف، وجدد انتخابه في سنة 1955م، وندبه معهد الدراسات العربية العالية بالقاهرة مرتين لإلقاء محاضرات فيه في نهضة اللغة العربية بالعراق، وأثر الإمام العلامة محمود شكري الألوسي فيها، فحالت الظروف السياسية من سفره.

وفي شهر حزيران سنة 1956م قرر مجلس الوزراء إيفاده إلى مؤتمر المجامع العلمية الذي قررت جامعة الدول العربية عقده بدمشق في 29 أيلول سنة 1956م.

تآليفه وآثاره: بدأ هذا العلامة العبقري الكتابة وقرض الشعر والنقد والتحقيق والتأليف والنشر في الصحف والمجلات العربية منذ عهده الأول بالتلمذة وهو في فجرر نبوغـه، وهـذا ثبـت بتآليفـه المطبوعة والمخطوطة، ومنها يستدل على ما جادت به قريحة هذا العلامة الجبار وخليفة الإمام العبقري الألوسي الصغير من مصنفات علمية وأدبية خالدة:

1 ـ أعلام العراق، وهو باكورة مؤلفاته، وقد ترجم فيه حياة أعلام الألوسيين، فما ترك لمؤلف بعده من مزيد.

2 ـ المجمل من تاريخ الأدب العربي

3 ـ تهذيب تاريخ مساجد بغداد، وقد مرت الإشارة إلى ما جرى على المؤلف العبقري بسببه من عنت ومحاكمة.

4 ـ المدخل في تاريخ الأدب العربي: ألفه لوزارة المعارف العراقية في سنة 1931م، وطبع سبع طبعات.

5 ـ شيخ الإسلام عارف حكمة، وهو تهذيب شهي النغم لأبي الثناء الألوسي، مضافاً إليه بحوث جديدة نشرها بمجلة الزهراء بالقاهرة.

6 ـ مأساة وضاح اليمن: تتضمن مقالاته في الرد على الأستاذ أحمد حسن الزيات.

7 ـ عناية ملوك الإسلام بالمساجد الجامعة في العراق: وهي رسالة كتبها استجابة لطلب مديرية المطبوعات، ونشرها في مجلتها (منبر الأثير).

8 ـ عماد الدين القرشي الأصبهاني الكاتب: نشر مقدمة للمجلد الأول من القسم العراقي من كتابه (خريدة القصر وجريدة العصر).

9 ـ شرح مقامات ابن ماري الطبيب البصري: كتبه أيام تلمذته (مخطوط).

أما مؤلفاته المخطوطة فهي:

10 ـ أشهر مشاهير العراق في العلم والأدب والفن والسياسة: في عدة مجالات، لم ينجز تأليفه بعد.

 11 ـ الرد على الشعوبية ونقض كتاب المثالب لابن الكلبي. 12 ـ ديوان العماد الكاتب، جمعه وبوبه. 13 ـ ديوان علاء الدين الألوسي، جمعه وبوبه. 14 ـ ديوان المراسلات: جمع فيه رسائل معاصريه إليه. 15 ـ الاتجاهات الحديثة في الإسلام. 16 ـ عبـد المحسـن الكاظمـي، حياتـه وشـعره. 17 ـأدب الأعـراب: لم يُنجز.  18 ـ مجلة العالم الإسلامي. 19 ـالمحاضرات. 20 ـ المقالات والخطب. 21 ـ النقود والردود. 22 ـ ظلال الأيام: (ديوان شعره) الأول. 23 ـ وراء الأسلاك الشائكة: (ديوان شعره) الثاني، نظمه في اعتقاله إبان الحرب العالمية الثانية. 24 ـ الأدب المعاصر في العراق: يعنى الآن بتأليفه استجابة لتكليف اللجنة الثقافية بجامعة الدول العربية.

أما الكتب التي حققها وشرحها ونشرها فهي:

25 ـ بلـوغ الأرب فـي أحـوال العـرب لأستاذه الألوسي. 26 ـ الضرائروما يسوغ للشاعر دون الناثر لأستاذه الألوسي.27 ـ تاريخ نجد لأستاذه الألوسي (طبع مرتين). 28 ـ عقوبات العرب في الجاهلية لأستاذه الألوسي. 29 ـ رسالة المسواك لأستاذه الألوسي. 30 ـ أدب الكتاب للوزير أبي بكر الصولي، طبعه بمصر. 31 ـ مناقب بغداد: لابن الجوزي، طبعه ببغداد. 32 ـشرح لوح الحفظ في حساب عقود الأصابع لعبد القادر بن علي بن شعبان. 33 ـكتاب النغم لابن المنجم. 34 ـ خريدة القصر وجريدة العصر: المجلد الأول من القسم العراقي. 35 ـ خريدة القصر وجريدة العصر: المجلد الثاني من القسم العراقي، يُعنى بتحقيقه. 36 ـ نزهة الأرواح وروضة الأفراح: لشمس الدين محمد بن محمود الشهرزوري الفيلسوف الإشراقي.

وهذه لمحة عن كتب وآثار شارك في تأليفها أو ترجمتها:

37 ـ صورة الأرض للشريف الإدريسي: الخارطة العالمية المشهورة. 38 ـالخطاط البغدادي ابن البواب، مترجم من التركية. 39 ـ الأساس في تاريخ الأدب العربي: جزءان طبع (3) طبعات. 40 ـ ديوان الأدب: في ستة أجزاء، طبع أكثر من (6) طبعات. 41 ـ المطالعة العربية الحديثة: في ثلاثة أجزاء. 42 ـ القراءة العربية في أربعة أجزاء، طبعت أكثر من ( 10) طبعات.

ومن مطالعة أسماء هذه المؤلفات والتصانيف التي أحكم هذا العلامة بدائع آياتها يتضح أنه مؤلف جبار، لا ند له في هذا العصر، ولو حسبنا سني حياته وقد تجاوز العقد الخامس من عمره المديد، مع السنين التي قضاها في الخدمات الثقافية التقدمية والاجتماعية والقومية العربية والرحلات وفترة الاعتقال، وتقدير ظروفه الخاصة مع ما اكتنفها من متاعب الحياة واعتلال صحته في فترات طويلة، أدركنا مدى نبوغه وأنه أتى بالمعجزات في حقل العلم والأدب والتأليف والتصنيف والتحقيق، وقد حضر مؤتمر الأدباء المنعقد بدمشق في العشرين من شهر أيلول سنة 1956م فكان الخطيب المصقع في هذه الندوة الأدبية التاريخية، حيث ألقى ثلاث خطب في مواضيع شتى، وكان الفرقد المنير في هذا المؤتمر الأدبي ومن أبرز دعائمه.

شعره: هو آية من آيات الله الكبرى في نشره ونظمه.

أحواله العامة والخاصة: وهب الله هذا النابغة العربي الذي تقمصت في روحه مواهب أساتذته الألوسيين عزة لا تدرك، وفراسة تستشف الأسرار من لمحات الأبصار، لا يخفى عليه التدليس، يخدم المجتمع بوفاء منبثق من صميم الإيثار ونكران الذات، فالآمال معقودة في الإصلاح على مواهبه وسامي إرشاداته وعلمه المكنون المتشعب في جميع أنواع الإنتاج الفكري، لقد أسبل العلم على وجهه أنواره وسحره وروائعه، إذا تكلم ففي حديثه بديع الايجاز، وإن ارتقى ذرى المنابر في قامته الفارغة، فخطبه جامعة بين الإعجاز وعذوبة المنطق وجلاء المفهوم، أما مساجلاته ومناظراته ومحاضراته العلمية والأدبية فهو فارس الميدان لا يبارى فيها ولا يجارى، والويل لمن بلي في ذلة وتعثر فإنه يلقى القضاء المحتوم، أما الوداعة والصراحة والتواضع فهي قوام عظمته، ولم يكن كغيره ممن تزجهم المراتب أو المديح في بحار التيه والصلف.

وإني أدع كل ما حفلت به قريحته المتقدة وجادت من روائع فيه السحر والروعة لأقدم للقراء هذا الموشح الخالد الذي صاغه يراعة الأنيق في شهر أيلول 1932م بعنوان (على ضفاف البسفور) قال:

هنا الدنيا، هنا الدنيا!

ألا، ما أحسن المحيا!

*  *  *

رواء كفم الكون

إذا افتر عن الفجر

على الأفق على الروض

على البر على البحر

كأن الأرض قد قامت

على الرقصة والزمر

سرور أينما سرت

وعرس حينما تجري

فيا عاشق دنياه

هنا الدنيا، هنا الدنيا!

*  *  *

صفاء الأفق كالبحر

ولون البحر كالأفق

فمن يرنو إلى تحت

كمن يرنو إلى فوق

يشيم الأفق مطبوعاً

على البحر بلا فرق

كأن البحر دون الأفـ

ـق أمسى مطلع الزرق

فيا عاشق دنياه

هنا الدنيا، هنا الدنيا!

*  *  *

رباع كجنان الخلـ

ـد لا حر ولا برد

صباها في ضحى آب

كما ينفحه الورد

فروض أرجُ العطر

وجو غنج سعد

أنيق الوشي كالجيد

إذا زينهُ العقدُ

فيا عاشق دنياه

هنا الدنيا، هنا الدنيا!

*  *  *

يحار الفكر إن جا

ل بما يشهد من حسن

فما يؤثر أو يهوى!

وما يبعد أو يدني!

إذا أعجبه مرأى

رأى أعجب في الشأن

فلا ينفك مسحورا

كمأخوذ ابنة الدن

فيا عاشق دنياه

هنا الدنيا، هنا الدنيا!

*  *  *

شهدت الحسن مطبوعا

كما أبصرت مصنوعا

ورمت الحب مبذولا

فما صادقت ممنوعا

وشمت الخلد مرئيّا

وقبلا كان مسموعا

وألفيت شتات الحسـ

ـن في (البسفور) مجموعا

فيا عاشق دنياه

هنا الدنيا، هنا الدنيا!

*  *  *

حسان كعذارى الخلـ

ـد يمرحن زرافات

كأن (آذار) أبدا

هن في الآفاق باقات

فهن الزهر في الرو

ض نشرن الحسن طاقات

وهن الزهر في الأفق

نزلن الأرض غادات

فيا عاشق دنياه

هنا الدنيا، هنا الدنيا!

*  *  *

جمال كفنون السحـ

ـر وأخذاً، وللسنا ومضا

مجس لين غض

ومرأى بهج وضا

سل القلب إذا أشـ

ـرق عنه، وسل النضا

فمن يمسك عنه النفـ

ـس أن تأكله عضا

فيا عاشق دنياه

هنا الدنيا، هنا الدنيا!

*  *  *

كأن الدهر بالغادا

ت كالأزهار نيسان

فهل غاب عن الخلـ

ـد رقيب الخلد (رضوان)

نشاوى مثل رائين

بالإعجاب نشوان

يتيمن ربوع الأنـ

ـس حيث الحب ألحان

فيا عاشق دنياه

هنا الدنيا، هنا الدنيا!

*  *  *

أغان وأغاريد

لها يطرب محزون

بلحن الطير في الأيك

يناغيهن قانون

تثير الروح بالشد

و كما ينشر مدفون

تغنيها الرياحين

كما استضحك مفتون

فيا عاشق دنياه

هنا الدنيا، هنا الدنيا!

*  *  *

لديها متعة السمع

وفيها شهوة العين

تعالى الله، وما أقد

ر أن يجمع حسنين!

وما أحسن أن تلتـ

ـذ باثنين شهيين!

بريئين لا إثم

جميلين بلا شين

فيا عاشق دنياه

هنا الدنيا، هنا الدنيا!

*  *  *

حياة لم ينغصها

سوى ذكري لأوطاني

أرى (البسفور) بساما

فأبكي ثغر (بغدان)

نبا عن أنفها الحسن

ولم تنعم بعمران

كأن لم تك في الدهر

جمال العالم الفاني

فيا شقوة بغداد

إذا لم تشبه الدنيا

لقد اقترن في أوائل سنة 1934م بفتاة دمشقية من أسرة معروفة فأنجب منها سبع بنين وبنات.

فإلى من بهديه الأمة اهتدت، وبمثاله اقتدت، وتمثلت في روحه أنبل عناصر النجابة وتوسمت العروبة في عصره كل خير في الذود عن حياض القرآن والدين واللغة، وكل نصرة لمبادئها القومية أقدم تحياتي مقرونة بإعجاب الشعب السوري عامة بعبقريته الشامخة.

*  *  *

 



([1])  (أ) (2/221 ـ 227).

الأعلام