جاري التحميل

محمد بهجة البيطار

الأعلام

محمد بهجة البيطار([1])

الشيخ محمد بهجة البيطار

(1894م)

مولده ونشأته: هو العالم العلامة والأستاذ الجهيد الشيخ محمد بهجة بن المرحوم الشيخ بهاء الدين بن عبد الغني البيطار، ولد بدمشق سنة 1894م، ونشأ في مهد العلم والفضل، تلقى علومه في المدارس الابتدائية والثانوية، ودرس العلوم الدينية والعربية والعقلية على والده وجده لأمة العلامة المشهور المرحوم الشيخ عبد الرزاق البيطار، وعلى العلامة الشيخ جمال الدين القاسمي، وعلى الشيخ محمد الخضر حسين التونسي، وعلى محدث الشام الشيخ بدر الدين الحسني في دار الحديث، ونال عنهم إجازاته العلمية، ودرس اللغة الفرنسية دراسة مدرسية وخاصة.

في المملكة العربية السعودية: اشترك بمؤتمر العالم الإسلامي المنعقد بمكة سنة 1926م، وقد تفرس الملك عبد العزيز آل سعود فيه خيراً، فاستبقاه لديه وتولى إدارة المعهد العلمي السعودي خمس سنوات بمكة، وتقلد في أثنائها أعمالاً أخرى، وقام خلال مدة وجوده في المملكة العربية السعودية بخدمات ثقافية جلى، ثم عاد إلى وطنه وقام بخدمات علمية كثيرة في لبنان وسورية.

دعوته إلى المملكة العربية السعودية: وفي سنة 1944م أنشأ جلالة الملك عبد العزيز آل سعود (دار التوحيد السعودية) في مدينة الطائف، فدعاه من دمشق فأقام رئيساً ومدرساً فيها ثلاث سنين، ثم عاد إلى وطنه وعين مدرساً للتفسير والحديث في كلية الآداب من فرع الجامعة السورية عام 1947م الى 1952م.

في المجامع العلمية العربية: يعتبر صاحب هذه الترجمة من أعلام العرب، وقد انتخب عضواً في المجمع العلمي العربي بدمشق سنة 1922م، وعضواً مراسلاً للمجمع العلمي العراقي بتاريخ 2/6/1954م، وله رسائل ومحاضرات دينية وعلمية واجتماعية نشرت في مجلة المجمع العربي بدمشق، وفي كثير من المجلات والصحف العربية.

رحلاته العلمية: لبى المجمع العلمي العربي بدمشق دعوة مجمع العلوم السوفييتية في موسكو، واختار أربعة من أعضائه، فكان المترجم أحدهم، وفي 1 تشرين الثاني سنة 1954م قام برحلته هذه فاستغرقت ستة أسابيع، وقد زار المجامع العلمية والمكتبات الكبرى وفيها ملايين المجلدات، ومنها القرآن الكريم بالخط الكوفي والعربي، والكتب الإسلامية والعربية المخطوطة والمطبوعة، وزار الجامعات ومدارس العلم والاستشراق، وشاهد المتاحف والمعامل والمصانع والمزارع، واطلع على مظاهر الحياة العامة، ومن الجدير بالذكر أن القرآن الكريم يدرس في معهد العلوم الشرقية (بليتنغراد)، وفي 26 تشرين الثاني سنة 1956م زار الولايات المتحدة في أميركا الشمالية بدعوة من أصدقاء الشرق الأوسط لزيارة بلادهم، والغاية من هذه الدعوة تقريب وجهات النظر بين الأمتين الإسلامية والمسيحية، وزار الجامع العظيم في واشنطون، وكان خطيب الجمعة، وأذاع عدة أحاديث عن رحلته هذه.

مؤلفاته: امتاز الأستاذ الأجل بثبات في الإيمان والعزيمة وقوة النشاط في ميدان العلم والثقافة، وهذه السجايا لا يتصف بها إلا أصحاب المواهب والعبقرية، وهذه مؤلفاته المطبوعة التي تدل على سعة علمه ودأبه المتواصل، وهي: 1 ـ نقد عين الميزان 2 ـ الثقافتان الصفراء والبيضاء 3 ـ تخريج الحديث 4 ـ إكمال تفسير الإمام المرحوم محمد رشيد رضا صاحب المنار لسورة يوسف 5 ـ تحقيق (مسائل الإمام أحمد) لتلميذه أبي داود صاحب المتن وتكميله وتعليقات عليه، وهو أقدم كتب المكتبة الظاهرية بدمشق 6 ـ (نظرة في النفحة الزكية) وهي دعوة إلى نبذ المعتقدات الزائفة والآراء الفاسدة 7 ـ تخريج أحاديث (كتاب البخلاء للجاحظ) 8 ـ الموفي في النحو الكوفي، شرحه بتعليقات توضح غوامضه ومقاصده.

أدبه: وهو إلى جانب علمه الواسع أديب كبير ضليع في أسرار اللغة العربية، ومن شعره قصيدة بعنوان (فيا ويح بغداد)، رثا بها علامة العرب المرحوم محمود شكري الألوسي، نقتطف منها هذه الأبيات للدلالة على شاعريته وأدبه.

أعلامة الإسلام كهف زمانه

قم اليوم أنقذ أهله من لظى الخطب

فللهدم ما شادته آل أميه

وملك بني العباس للسلب والنهب

رأينا بك الإخلاص لله رائدا

وآثرت في كل الأمور رضا الرب

طويت بيديك السماحة والتقى

فأذكرتنا أيام أحمد والصحب

زهدت بدنيا نالها كل بائع

لها الوطن المحبوب من أمم الغرب

وهل يستوي الخصمان: راض عن العدا

يسومونه سوءاً، وغضبان للشعب

وما يستوي البحران هذا مالح

أجاج، وهذا عذب سائغ الشرب

ومنها:

إذا ما بكاك الحق (شكري) وأهله

فقد كنت شمس الحق تجلو عمى القلب

وتطرق الأستاذ البيطار في هذه القصيدة إلى مآثر زميله الشيخ العلامة العربي بهجة الأثري العراقي، فأشاد بمواقفه النبيلة حيث قال:

أيا (بهجة) الآداب زينة أهلها

لقد رد روض العلم فضلك في خصب

وما لي لا أثني عليك وإنما

عليك لقد أثنت علومك في الكتب

كأن تآليف الألوسي روضه

مبللة من شرحكم بندى السحب

أناطت يد التحقيق منك بجيدها

قلائد من ماس ومن لؤلؤ رطب

كأن شبا أقلام (بهجة) في الوغى

قواطع تردي الخصم كالسمر والقضب

إذا هزّها فوق الطروس حسبتها

قذائف من (منطاد) تقذف في الحرب

وقفت لأصحاب الرذيلة وقفة

أعدت بها أيام أحمد والصحب

وله مؤلفات مخطوطة أمسكنا عن ذكرها حتى يوفقه الله إلى إكمالها.

يتمتع هذا العالم الجليل بمكانة سامية في الأوساط العلمية والشعبية، ويتحلى بأخلاق محمدية سامية، عظيم الهيبة والوقار، كريم النفس، يقتني مكتبة كبيرة ورثها عن جده العلامة عبد الرزاق البيطار وعن والده رحمها الله.

وكلمة حق لابد منها: هي أن لكل عظيم حساد على ما له من فضل وأعمال جليلة، فالأستاذ العلامة البيطار لا يخلو من مثل هؤلاء الحساد الذين يريدون أن يطفئوا نور الله، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الحاسدون، وإن ما لاقاه في رحلاته إلى البلاد الأجنبية من حفاوة وتقدير دل على سمو مقامه ومكانته العلمية والاجتماعية والثقافية، فرفع شأن بلاده بمواهبه العبقرية، نفع الله الأمة بفضله، ومن ذريته الدكتور يسار، وهو شاب على جانب قوي من الذكاء والأريحية والثقافة.

*  *  *

 



([1])  (أ) (2/137 ـ 138).

الأعلام