محمد حافظ إبراهيم
محمد حافظ إبراهيم([1])
(1872 ـ 1932م)
مولده ونشأته:هو محمد حافظ بن إبراهيم فهمي، ولد في ديروط سنة 1872م، وكان والده مهندساً يشرف على تشييد قناطر ديروط، وبعد أن أتم علومه في المدرسة الحربية، التحق بخدمة الجيش وظل به حتى أحيل إلى الاستيداع في سنة 1899م، ثم التحق بالخدمة في دار الكتب المصرية في سنة 1901م، وظل بها إلى أن توفي.
مواهبه وبؤسه:هو شاعر النيل الاجتماعي الكبير، وأديب مصر الشهير، كان آية بينة على ارتقاء في الأمة العربية في آدابها النفيسة والاجتماعية، يبشر بزوال العظمة الوهمية، عظمة الألقاب الموروثة، والثروة المادية، وإعقاب العظمة الحقيقيةلها، وهي عظمة العلم والأدب وخدمة الأمة، وقد ترجم كتاب البؤساء، وقرظه الإمام محمد عبده.
كان هذا الشاعر يشكو البؤس، وينظم نفسه في سمط البائسين، وتلك شنشنة الأدباء والشعراء في كل حين، حتى كان من القضايا المسلمة أن حرفة الأدب علة للبؤس والعيشة الضيق، وما هي بعلة طبيعية ولا عقلية، ويتمثل بهذا البيت:
مذبذب الرزق لا فقر ولا جدة | حظ لعمرك لم يخفض ولم يكس |
وقد نال راتباً شهريًّا من الحكومة يكفي لنفقة أسرة تعيش عيشة معتدلة، وهو لازوج له ولا أولاد، لقد كان مسرفاً في الترف، وقد أوتي من الحظ المعنوي بأدبه وشعره مالم يؤت أديب في مصر في عصره غير أحمد شوقي، إذ كان شاعر الأمير فصار يدعى أمير الشعراء، ولعله لو نشأ في حجر الترف ونعمة العيش كشوقي؛ لما كان له من نفسه ما يبعثه إلى النبوغ في الأدب النافع، فأكثر حكماء الأدباء وحكماء العلماء وأصحاب الأفكار الإصلاحية الناضجةكانوا من أهل التقشف والبؤس في بدايتهم.
لقد رأى في الموت راحة أبدية، فودع الحياة في قصيدة رائعة، منها قوله:
سلام على الدنيا سلام مودّع | رأى في ظلام القبر أنساًومغنما |
أضرت به الأولى فهام بأختها | وإن ساءت الأخرى فويلاه منهما |
فهبّي رياح الموت نكباء وأطفئي | سراج حياتي قبل أن يتحطما |
فما عصمتني في زماني فضائلي | ولكن رأيت الموت للحر أعصما |
فيا قلب لا تجزع إذا عضك الأسى | فإنك بعد اليوم لن تتألما |
وياعين قد آن الجمود لمدمعي | فلا سيل دمع تسكبين ولا دما |
ويا يد ما كلفتك البسط مرة | لذي منَّةٍ أولى الجميل وأنعما |
فلله ما أحلاك في أنمل الردى | وإن كنت أحلى في الطروس وأكرما |
ويا قدمي ما سرت بي لمذلَّة | ولم ترتقي إلا إلى العز سلّما |
فلا تبطئي سيراً إلى الموت واعلمي | بأن كريم القوم من مات مُكرما |
ويا قبر لا تبخل بردّ تحية | على صاحب أوفى عليك وسلما |
مرضه: كان يشكو مرض الأمعاء الذي لازمه عدة سنوات دون أن يبرأ منه، ولم يكن هذا التعب يحجبه عن الخروج من منزله، أو يمنعه من مجالسة إخوانه ومنادمتهم ومزاحهم بما اشتهر به من ظرف ولطف.
وأراد أن يتخلص من مرضه فعمل عملية (أفرنوف) فلم تجد شيئاً، وزاد تعبه، وكان يدلك أمعائه وجسمه بآلة طبية خاصة، ويعتقد أن هذا المرض هو الذي سوف يودي بحياته لملازمته له، فكان يكافحه بما استطاع.
شبح الموت: واستمر الشاعر في نضال وصراع بينه وبين مرضه، حتى إذا كانت ليلة 21 تموز سنة 1932م سكن هذا المرض المعوي، وأحسن بارتياح كبير، واتسع أفق آماله في الصحة التامة على الرغم من تجاوزه الستين، ولكن لم يدر أن الموت قد كمن له في تلك الليلة التي أحس فيها بتمام الراحة، وحسبها أولى حياته في الصحة بعد تلك الليالي التي قضاها في مرض الأمعاء.
لم يدر أن الموت أراد أن يأخذه على غرة، فكمن في مرض (الحمى الشوكية) التي فاجأته في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، فلم يستطع أن يتحرك أو يتكلم.
وقد دخل في النزع الأخير، فلم تفده معجزة الطب، وأسلم الروح في ضحى ما كان أشده في الشرق عبوساً وظلاماً و أحزاناً.
وفاته: توفي في 17 شهر ربيع الأول 1351ﻫ ـ 1932م.
* * *