محمد الخالد الفصيح
محمد الخالد الفصيح([1])
الشاعر الفنان المرحوم محمد الخالد الفصيح (الحمصي)
وهذا نجم ساطع من كواكب حمص، له مكانته الأدبية والعلمية في المجتمع، فقد كان رحمه الله أينما حل تلقاه القوم بالتجلي والاحترام، خصه الله بشمائل رضية، فهو نصير المظلومين وحصنهم المنيع، وخصم كل عات جبار، وله في هذا الميدان مواقف نبيلة مشهورة.
أصله ونشأته: هو محمد الخالد بن مصطفى الفصيح الحمصي، ولد في محلة باب تدمر بحمص سنة 1860 ميلادية.
تلقى المترجم قواعد اللغة العربية والعلوم الشرعية على علامة حمص المشهور المرحوم الشيخ محمد محمود الأتاسي، ثم أصبح مدرساً للعلوم في حلقة خاصة، وممن تلقى عليه العلم الشهيد النابغة المغفور له عبد الحميد الزهراوي، فقد لازمه ودرس عليه قواعد اللغة العربية من نحو وصرف، واستفاد غيره من مناهل علمه وثقافته، وكان من أكبر الدعاة لمحاربة الجهل ونشر العلم والعرفان، وله في ذلك قصائد كثيرة.
سفره إلى استانبول: وسافر المترجم إلى استانبول، فنزل ضيفاً في تكية أبي الهدى الصيادي الرفاعي رحمه الله مدة خمسة أشهر، وتوسط لتعيينه في إحدى وظائف القضاء الشرعي، فلم يدرك الغاية المتوخاة، فقد كان الفقيد صريحاً في الحق، ولو أتقن فن النفاق المصطلح عليه في الهيئة الاجتماعية في ذاك العهد لتوصل إلى ما تصبو إليه نفسه، ثم عاد إلى حمص فاستقبله أهلها بعد وحشة غيابه الطويل بالشوق والترحاب.
شعره وفنه: كان رحمه الله شاعراً متيناً رائق الأسلوب في نظمه ونثره، وله ديوان شعر حوى قصائد كثيرة في المدح والغزل والرثاء والزهد والأمثال، ومن نظمه في التوسل ومدح الرسول الأعظم ـ ﷺ ـ قصيدة مطلعها:
إلى الباري بأحمد قم توسل | وذر عنك العنى فهو المعول |
فأحمد للورى حصن حصين | وأمن الخائفين أجل مرسل |
أما قوله في النظم والتعبير عما يكنه فؤاده من شعور فتلك إحدى مواهبه البارزة في المواقف الارتجالية، ومن قوله البديع في الغزل:
معاطف البان مالت والفؤاد صبا | لميلها وهزار الروض صاح صبا |
وخمرة البشر في الأكواب قد سطعت | والصب عربد فيها قبل ما شربا |
فهاتها مع ظبي نحتسيها وإن | رمنا نقولاً لثمنا الخد والشنبا |
لقد اعترف الفقيد بأن تضلعه بقوافي الفن الموسيقي قد سهل عليه امتلاك نواصـي قوافـي النظـم، وقـد أكسبته البيئة الثقافية والفنية خبرة واطلاعاً، فكان رحمه الله فناناً بطبعه وروحه، رقيق العاطفة والشعور، له إلمام بعلم النغمة والأوزان، وله موشحات وقدود كثيرة بديعة، لقد عاصر المترجم عهد الشعراء والفنانين الكثيرين، منهم الهلالي الشاعر الحموي، وبينهما ساجلات شعرية مشهورة، والشيخ مصطفى زين الدين، والجلبي، والأنصاري، والجاويش، وغيرهم رحمهم الله، فكانوا يرون بقربه نشوة و حبوراً.
أوصافه وأحواله:كان مربوع القامة مهيباً مقداماً، سخي اليد، يسدي الخير إلى الناس ويحل مشاكلهم بالتي هي أحسن، أنيس المعشر، حلو الحديث، نوادره الطريفة كالورود والرياحين المنثورة، لقد أعقب أولاداً ذكوراً، وأبرزهم الأستاذ الألمعي المربي القدير السيد هاشم الفصيح الذي ما زال يشغل أرقى المناصب في وزارة المعارف والمجلي في ميدان الثقافة.
وفاته: كان الفقيد مسافراً في طريق طرابلس ـ تلكلخ، فتدهورت السيارة في منعطف خطر، فأصيب بكسر في نخاعه الشوكي، وقد طال مرضه ومعالجته، فكان رحمه الله متوجعاً صابراً، وفي اليوم الخامس عشر من شهر رجب سنة 1348 هجرية الموافق لشهر تشرين الأول سنة 1929 ميلادية وافاه الأجل المحتوم، ودفن بمقبرة أسرته في محلة باب تدمر، رحمه الله.
* * *