جاري التحميل

محمد سعيد حبوبي

الأعلام

محمد سعيد حبوبي([1])

(1849 ـ 1914م)

مولده ونشاته:هو المرحوم محمد سعيد بن محمود الشهير بحبوبي، ينتهي نسبه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب، ولد في النجف في الرابع من شهر جمادى الآخر سنة 1266ﻫ ـ 1849م، وبها نشأ، ودرس علوم الأخلاق والرياضيات والفقه والأصول والأدب على أعلام عصره، وقضى شطراً من أيام شبابه في الحجاز وبلاد نجد، وكان طوافه في أودية الجزيرة وشعابها والاختلاط بسكانها من أكبر العوامل المؤثرة على شعور هذا الشاعر العربي الصميم.

أدبه: لقد عاش أولاً للشعر، ثم انقطع للعلم وانقطع للتعليم، وبذلك طغت شخصيته العلمية على شهرته الشعرية، ويرجع السبب إلى الرغبة في التفوق، وكان يعرف أن طاقته العلمية أقوى من طاقته الأدبية، على أنه لا موجب لبيان الأسباب التي قضت بانتقال المترجم من ميدان الشعر إلى ميدان العلم والتدريس، فقد كان يميل إلى إيثار الحياة العلمية، وكان الناس من حوله يطيب لهم أن يروه من أعظم العلماء، وقد تخرج عليه كثير من نوابغ الطلاب، والواقع أنه كان في صدر الطبقة الأولى من العلماء فأضاعته الحياة الفقهية، وهي حياة لا يرتفع معها شعر ولا خيال.

وقد طبع ولده الأستاذ علي ديوانه المسمى (ديوان الحبوبي) في بيروت سنة 1913م على نفقة الحاج عبد المحسن شلاش، وكتب مقدمة الديوان الشاعر المرحوم الشيخ عبد العزيز الجواهري، وعني بتصحيحه وتذييله، وهو يمت بصلة القرابة إلى المترجم، وفي هذا الديوان روائع الموشحات والمراسلات والنسيب والمديح والتخميسات والمراثي، وله كتاب (العراقيات).

لقد وصل في قوافيه إلى مواطن السحر في التصوير الرائع الذي يملك الجنان، والمعروف أن الحبوبي لم يشرب الخمر حتى يجيد فيها القول، فجمال الشعر لا يكون دائماً بالمجاز والتشبيه، وإنما جماله في استعداده للنفاذ إلى النفس والوصول إلى القلب، ومن شعره الغزلي الفاتن قوله:

فاسقني كأساً وخذ كأساً إليك

فلذيذ العيش أن نشتركا

وإذا جدت بها من شفتيك

فاسقنيها وخذ الأولى لكا

أو فحسبي خمرة من ناظريك

أذهبت نسكي وأضحت منسكا

وقد فتن الشاعر بهذا المعنى، فأعاده بأسلوب آخر حين يقول:

يا غزال الكرخ وأوجدي عليك

كاد سري فيك أن ينتهكا

هذه الصهباء والكأس لديك

وغرامي في هواك احتنكا

فاسقني كأساً وخذ كأساً إليك

فلذيذ العيش أن نشتركا

ومن قول البديع:

يا حامل الوردة ما ألطفك

فهل ترى لي اليوم أن أرشفك

يا وردة الناظر بالله قل

بهذه الوردة من أتحفك

لا أقطف الورد ولكنني

قد كدت من روضك أن أقطفك

جهاده: لم يكتف هذا العلامة العبقري بالمنزلة الأدبية والعلمية، فقد تسامت نفسه على الاتسام بوسم الجهاد، فخاض المعارك في سبيل وطنه، فقد نهض وثار للدفاع عن قوميته، فأجاب دعوته خلق من أهالي الفرات والأقاليم الجنوبية، وسار بهم إلى (الشعيبة)، ولكن الثورة فشلت، فعاد إلى الناصرة، ورابط فيها إلى أن وافاه القدر.

وفاته: وفي عشية يوم الأربعاء الثاني من شهر شعبان 1333ﻫ ـ 1914م وافته المنية، ونقل إلى النجف الشريف، ودفن في رحاب الحرم الحيدري، وهكذا طوى الموت أمجد صفحة في تاريخ هذا العلامة العامل والشاعر الفحل والمجاهد الخالد.

*  *  *

 



([1])  (أ) (2/184).

الأعلام