محمد سعيد العرفي
محمد سعيد العرفي([1])
الشيخ محمد سعيد العرفي
(1896 ـ 1956م)
مولده ونشأته:هو العلامة المرحوم محمد سعيد بن الحاج محمد العرفي، ولد في مدينة دير الزور يوم الإثنين الرابع من رجب 1314ﻫ ـ 22 تشرين الثاني سنة 1896م، تلقى دراسته الابتدائية في المدرسة الرشدية العثمانية، ثم ولع بعلوم اللغة والفقه والحديث فبرع فيها، ونال الإجازات من أعلام عصره، بدأ حياته العامة في حياكة النسيج بالنول مساعداً لوالده، كان يعيش بكدّ يمينه وعرق جبينه عيشة الكفاف.
خدماته: دخل في خدمة الجيش التركي وتسلم وظيفة نيابة المحكمة الشرعية في دير الزور، وذلك سنة 1918م، ثم عين مدرساً بدير الزور ومحامياً للخزينة، ووكيلاً لرئاسة المالية، ومديراً للمعارف بالوكالة، ومدرساً دينيًّا.
نفيه: كان قطب الحركة الوطنية في الفرات والجزيرة، وأحد أعضاء المؤتمر السوري اللبناني في مكة المكرمة عام 1922م المنعقد من أجل الوحدة العربية، وإثر عودته من الحجاز نفته السلطة الفرنسية إلى أنطاكية مرتين، ومن ثم نفي إلى مصر حيث مكث فيها سبع سنوات، وقامت صداقة وطيدة بينه وبين المرشد العام الشهيد الشيخ حسن البنا حيث جمعتهما المصيبة والسجن.
عودته إلى وطنه: وفي عام 1931م عاد المترجم إلى دير الزور، وكان شوكة دامية في عيون المستعمرين، فقد أذكى الروح الوطنية في نفوس الشعب وقاوم البدع والخرافات والأضاليل والأوهام الدينية التي كانت تفتك بالمجتمع دون أي رادع أو واعظ مرشد.
في المجلس النيابي: وفي عام 1936م انتخب نائباً لدير الزور في المجلس النيابي السوري، وفي عام 1937م كان عضواً في مؤتمر بلوادان الكبير من أجل القضية الفلسطينية، وفي عام 1938م كان عضواً في المؤتمر البرلماني الدولي المنعقد في القاهرة.
خدماته الدينية: وفي عام 1939م عين مفتياً لمحافظة الفرات خلفاً لأستاذه الشيخ حسين الأزهري، وفي عام 1942م عين عضواً في المجمع العلمي العربي، وفي عام 1950م انتخب لعضوية المجلس الإسلامي الأعلى، وكان رئيساً له بإحدى دوراته.
مؤلفاته: للعلامة المترجم مؤلفات، فالمطبوع منها: 1 ـ سر انحلال الأمة العربية ووهن المسلمين 2 ـ موجز سيرة خالد بن الوليد 3 ـ بماذا يتقدم المسلمون 4 ـ موجز الأخلاق المحمدية 5 ـ اللغة العربية رابطة الشعوب الإسلامية، الجزء الأول من مبادئ الفقه الإسلامي.
أما المؤلفات المخطوطة فهي: ترجمة السنجاري، تعليق على بستان العارفين للنووي، هتلر والعرب المسلمون، المقالات الدينية، تفسير القرآن الكريم، شرح رياض الصالحين في الحديث، رواية العصر المظلم، رواية البائس الشرقي، تاريخ دير الزور. كنز النحاة في النحو، ذكرى نائب، النقد الصريح لترجمة البخاري، تفحص الخوارج في المذاهب الإسلامية، رسالة في العروض، رسالة في الرد على من أفتى بكفر الفلاسفة.
علمه: هو خليفة الأستاذ المحدث الأكبر الشيخ بدر الدين الحسني في سوريا بالفقه والحديث، وقد أجازه فيهما، كان متين المعرفة بالنحو والصرف والبلاغة والعروض والسيرة النبوية وتاريخ الإسلام إجمالاً وتاريخ الفرق الإسلاميةوالتفسير، وملماً بمبادئ العلوم الحديثة من رياضيات وكيمياء وحكمة وفلك، وله اطلاع على الحقوق، وقد مارس المحاماة عمليًّا في بعض أدوار حياته.
كان فصيح الأسلوب سهل التعبير، بدوي الأخيلة، لو انسجمت أفكاره مع إنشائه لعد من كتاب الطبقة الاولى، خطيباً مفوهاً، قهر المشايخ الحشويين، وغلب الصوفيين بغزارة اطلاعه على منابعهم، فوقف في وجه تيَّارهم وحيداً بناظرهم، يعرف اللغة التركية، ومبادئ الفارسية، ولنا الأمل أن يهتم الأستاذ محمد الفرحاني بإخراج آثاره.
زعامته: كان زعيم النهضة الوطنية في الفرات والجزيرة دون منازع، مع وجود العصبية العشائرية واعتباراتها، ومن أبرز سجاياه الإباء والشمم والتواضع، تلك المزايا التي دعت الشعب لاحترامه وتمجيده، لا يماري ولا يداري، محبًّا للخير، مخلصاً في خدمة الصالح العام، مضرب المثل في جرأته في عصر سيطر فيه الإرهاب وخنقت الحريات.
وفاته: أُصيب بمرض عضال بدأ يفتك به منذ عام 1953م، واشتدت عليه وطأته عام 1954م، فيئس أطباؤه من إمكان شفائه، وما لبث أن فقد ذاكرته وظل يصارع الآلام والأوجاع إلى أن دعاه ربه إلى منازل الخلود بعد عصر يوم الأربعاء 21 آذار سنة 1956م، ودفن في دير الزور، ولا يزال والده شيخاً طاعناً في السن.
وجدير بالذكر أن مؤلف هذا السفر كان موظفاً في دير الزور، وقضى سنين عديدة، وكانت بينهما مودة رائعة، وشاهد بعينه الاستقبال الرائع الذي استقبلهبه أهل بلده عند عودته من المنفى، وكيف كانت دوائر الاستخبارات الفرنسية في منطقة دير الزور تهتم بمراقبته وتبث حوله العيون وترصد حركاته، حتى أقضّ مضاجعهم.
لقد اقترن بزوجتين، وأنجب سبعة ذكور وكريمة واحدة، وهكذا فجع العالم العربي بفقد ركن من أركانه، ولو امتد به الأجل لجادت قريحته بالمؤلفات المفيدة، وعسى أن يهتم من له صلة به بطبع ما تبقى من مؤلفاته الخالدة.
* * *