جاري التحميل

محمد سليم الجندي

الأعلام

محمد سليم الجندي([1])
العلامة اللغوي الأستاذ سليم الجندي

هو العلامة الأكبر الذي سبر غور اللغة العربية وعرف مواطنها وبانت لمواهبه أسرارها، فكان موئلها وحصنها المنيع، وهو الذي وهب نفسه للعلم، وأمعن مولعاً بدراسة حياة أبي العلاء المعري فيلسوف العرب، وأفرط في جده وكده وقضى شطراً طويلاً من حياته بتحقيق وضبط، وشرح مؤلفاته الفريدة، فبز كل من تخطى هذا الميدان الشائك من أعلام العرب، هو ركن التالد والطارف للأدب العربي الحي الذي تبخر، فأخرج من كنوز مؤلفاته ما جمع فأوعى للمجتمع، هو الذي مرت على حياة فيلسوف العرب المعري ألف سنة، فلم تختر روحه أن تحل إلا في جسد صنوه المعري، فكان أولى وأحرى من غيره الأعلام باستنباط درره النفيسة من بحر عبقريته الخضم، فقدم للعروبة وعشاق الأدب من سحر بلاغته ما جعل اسمه مقترناً باسم ذلك الفيلسوف الخالد، ذلك هو العلامة اللغوي الأجل الأستاذ محمد سليم الجندي.

أصله ونشأته: هو الأستاذ محمد سليم بن المرحوم الحاج تقي الدين بن سليم الجندي العباسي الأرومة، ولد في معرة النعمان سنة 1880م، ثم استوطن والده دمشق وعني بتثقيفه وتهذيبه، نشأ كأجداده الأعلام سيداً ونبيلاً في شمائله العبقة الفذة، درس على أعلام عصره في دمشق، وكفى أنه من تلامذة المحدث الأكبر العلامة المرحوم الشيخ بدر الدين الحسني المقربين إليه، وقد تفرس رحمه الله بمدى شأنه ومواهبه في ميدان اللغة والتأليف والأدب وصدقت فراسته.

عمله: تقلب في عدة وظائف حكومية، وذلك من سنة 1918م، ثم اختارته وزارة المعارف أستاذاً لتدريس الآداب العربية في مدارسها الثانوية، وله فضل كبير على النشء الحديث، ويمتاز تلامذته الذين أسعدهم الحظ فدرسوا عليه اللغة العربية بالاستفادة من مواهبه والتفوق على غيرهم، وأصبحوا من أعلام الأدباء، وفي عام 1922م عين عضواً في المجمع العلمي العربي، وعين مديراً للكلية الشرعية في دمشق.

ولما بلغ الستين من عمره المديد أحيل إلى التقاعد، فعكف على المطالعة والتأليف في بيته، ولديه مكتبة حوت من المؤلفات والمخطوطات الموروثة عن أجداده الأعلام كل در ونفيس.

مؤلفاته: ومن مؤلفاته المطبوعة دراسة علي بن أبي طالب، ودراسة امرئ القيس، ودراسة في عبد الله بن المقفع، وله كتابان بعنوان عمدة الأديب، ورسالة في الكرم، ورسالة في الطرق، ودراسة في النابغة الذبياني، وإصلاح الفاسد من لغة الجرائد، وتحقيق وشرح رسالة الملائكة لأبي العلاء المعري، وأصدر بالاشتراك مع بعض المؤلفين (المستظهر)، وهو ستة أجزاء، وعدة الأديب وهو ثلاثة أجزاء، و(الطرف) وهو ستة أجزاء.

وله مؤلفات تحت الطبع، وهي: دراسة في أبي العلاء المعري، وشرح ديوان النابغة الذبياني، والمنهل الصافي في العروض والقوافي، وتاريخ معرة النعمان، وكتاب الأطعمة والأشربة في بلاد الشام، والعادات في بلاد الشام، والأمثال العامة في بلاد الشام، ونوادر المعلمين، ورسالة في الأدوية ومسايل الماء، وكتاب في النحو بعنوان مرقد المعلم ومرشد المتعلم، والطرق في الشام، ورسائل متعددة في أدباء متعددين.

وهو من مؤسسي الرابطة القلمية، وأنعمت عليه الحكومة السورية بوسام الاستحقاق السوري تقديرا لعلمه وفضله.

شعره: إن العبقرية على ما يظهر إذا اكتملت من صاحبها في ناحية واحدة نقصت منه في الناحية الأخرى بقدرها، فالمترجم سار في نظم القريض على نسق حبيبه المعري في الحكمة والبلاغة، إلا أنه قليل الإنتاج فيه لانشغاله بما هو أجدى وأفضل، وهذه بعض أبيات من إحدى قصائده الرصينة بمعانيها وقافيتها، وعنونها (الناس بآثارهم)، ومطلعها:

لا حمد للعين مالم يحمد الأثر

ما نضرة المسك لولا العرف والذفر

ولا يتم لذات الدل رونقها

حتى يطابق منها الخبرة الخبر

عقت حجاها رجال حاولت شرفا

بنسبة لأناس قبلنا غبروا

قالوا وفي الفرع من سر الأصول كما

تسقى فتسقى ذرى أفنانها الشجر

كأنما القوم عادت جاهليتهم

لهم فما أغنت الآيات والنذر

ومنها:

والمرء ما لم يفد أو يستفد أدبا

كواو عمرو فلم تقرأ وتستطر

أخلاقه: يمثل في سجاياه الفاضلة صورة حية من صور السلف الصالح، يحب معاشرة العلماء والأدباء، ساحر في أفانين أحاديثه وطرائف نوادره، وقد أنجب ستة أنجال، هم قرة أعين الوطن بثقافتهم العالية وبطانتهم البارزة في ميدان العلوم والفنون.

*  *  *

 



([1])  (أ) (1/53).

الأعلام