م ـ محمد سليم الجندي
/م ـ محمد سليم الجندي([1])
(1880 ـ 1955م)
هو المرحوم محمد سليم بن محمد تقي الدين محمد سليم الجندي، مفتي معرة النعمان وحمص، ولد في معرة النعمان عام 1288ﻫ ليلة الثامن والعشرين من شهر رمضان المبارك 1880م، ونشأ في حجر والده حتى بلغ السابعة من العمر، ثم تعلم القرآن الكريم على شيوخ المعرة فأتمه عليهم، ثم دخل المكتب الرشدي وهو مكتب الحكومة آنذاك، وقد تسنى له اجتياز سني الدراسة الأربع في سنتين، وأخذ الشهادة.
ثم تفرغ للدراسة في المسجد الكبير في المعرة، فقرأ على الشيخ صالح بن رمضان ومن بعده على ابنه بعض دروس الآجرومية، وكتاب شرح الغاية للخطيب الشربيني في الفقه الشافعي، وبعض دروس النحو، وقرأ القرآن والتجويد على الشيخ حسن بن أحمد المطر المعري وهو أعلم أهل بلده في القراءة وقتئذ، وقد استظهر أكثر القرآن الكريم، وحفظ متن العوامل والإظهار للبركوي والكافيه لابن الحاجب وألفية ابن مالك في النحو ومتن إيساغوجي والسلم في المنطق ومتن الرحيبة في الفرائض ومتن الجوهرة والأمالي في التوحيد والعقائد ومتن الزبد في الفقه الشافعي.
وكان والده رحمه الله كلما ظفر بقطعة جيدة من الشعر كتبها وحضه على حفظها.
وقد أولع بشعر أبي العلاء المعري منذ حداثة سنة وحفظ منه شيئاً كثيراً، وكان في عهد الحداثة والشباب سريع الحفظ، ما سمع بيتاً أو بيتين من الشعر الجيد إلا رسخ في حافظته، وقد تخرج بالشعر والأدب واللغة بما درسه وحفظه من شعر أبي العلاء وغيره.
ثم ابتدأ بقرض الشعر في نحو الثالثة عشرة من عمره وظل ينسج على هذا المنوال ويحتذي على هذا المثال إلى أن كتب الله عليه مفارقة المعرة، فهاجر مع والده إلى دمشق في عام 1319ﻫ، ووضع فيها عصا الحاضر المتخيم، وأقام فيها، وقرأ على جماعة من علمائها الأعلام، وعاشر طائفة من فضلائها وأدبائها وكتابها وشعرائها وأعيانها وذوي الظرف منها.
وشرع في التفقه على مذهب الإمام أبي حنيفة على جهابذة العلم في دمشق، منهم الأستاذ العلامة الفقيه الشيح محمد شكري الأسطواني، فقرأ عليه كتاب مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر، وشرح السراجية في الفرائض، وشرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك.
وقرأ على الشيخ عبد القادر بدران كتاب التلويح شرح التوضيح في الأصول لسعد الدين التفتازاني، وشرح المختصر في علوم المعاني والبيان والبديع، وشرح شيخ الإسلام على الخزرجية في العروض والقوافي.
وقرأ على الأستاذ العلامة الشيخ عطا الكسم مفتي دمشق كتاب الدر المختار شرح تنوير الأبصار مع أكثر الحاشية رد المختار، وشرح المرآة للإزميري في الأصول.
وحضر دروساً كثيرة في النحو والمنطق كالفناري على إيساغوجي، وشرح القطب على الشمسية.
وقرأ على الأستاذ الفاضل الشيخ حسين الشاش، وكان مكيناً في العلوم الآلية، قرأ عليه رسالة السمرقندي في البيان، وإيساغوجي في المنطق.
وقرأ أيضاً على الأستاذ العلامة المحقق شيخ المحدثين في عصره الشيخ محمد بدر الدين الحسني الجزائري الأصل الدمشقي المولد والوفاة، حضر عليه قسماً كبيراً من كتاب التقرير والتحبير لابن أمير الحاج، شرح التحرير لابن الهمام في الأصول، وجميع شرح جلال الدين المحلي على جمع الجوامع للسبكي في الأصول، وكتاب المسامرة لابن أبي شريف، شرح المسايرة لابن الهمام في التوحيد، وشرح السنوسية الكبرى في التوحيد، وقرأ شيئاً من شرح المنار على الشيخ بهاء الدين الأفغاني.
وكان بعض رفاقه في الطلب يشاركونه أولاً في مطالعة الدروس وإعدادها قبل قراءتها على الأستاذ، ثم رغب فريق منهم أن يعيد قراءتها عليه بعد الدرس فلبى طلبه، كما كلفه فريق من الطلبة أن يقرئهم الدروس في داره منذ طلوع الشمس إلى الظهر، ومن بعد صلاة العصر إلى قرب منتصف الليل.
وظل الأمر كذلك إلى أن عين في عهد الحكومة العربية منشئاً أول، ثم مميزاً، ثم جعل أستاذاً للأدب العربي في مدرسة تجهيز الذكور في دمشق، وبقي إلى عام 1940م فأحيل على التقاعد لبلوغه سن الستين، وكان سبق له أن انتخب عضواً في المجمع العلمي العربي، كما أنه خلال أيامه السابقة وظف أستاذاً للآداب في مدرسة اللاييك وفي مدرسة جمعية العلماء، وعين أستاذاً للدروس العربية في كلية الآداب، ودرس فيها القواعد العربية والبلاغة والخطابة، ثم عين ناظراً للكلية الشرعية في دمشق، ثم مديراً لها.
سيره في الحياة كلها: كان في جميع هذه الأطوار التي قطعها في حياته شديد التواضع، لين الجانب، ينهج النهج الذي سلكه معاوية: لو كان بينه وبين الناس شعرة ما قطعها، وكان شديد الخشية من الله، مواظباً على الفرائض والواجبات الدينية، شديد الغيرة على مصلحة الإسلام والعرب وكل وطن إسلامي، لم يقترف شيئاً من المنكرات في جميع حياته، وكان يقنع باليسير، ويشكر على القليل والكثير، ويرضى من الوفاء باللقاء، ولم يبذل ماء وجهه قط لأحد؛ لأنه يقابل الحسنة بمثلها إن عجز عن ضعفها، ويحتمل السيئة ويغضي عن الهفوة ما وجد إلى ذلك سبيلاً.
لا يعرف لأحد عليه فضلاً إلا قابله بمثله؛ لأن الله جل جلاله لم يحوجه إلى غيره في شيء ما خلا أساتذته الذين تقدم ذكرهم، فإنهم علموه وهذبوه وأرشدوه لوجه الله من غير أن ينالوا منه أجراً ولا جزاء، وقد احتذى مثالهم، فعلّم مئات من الناس، ولم ينل منهم أجراً قط.
وفي عام 1914م منحته الحكومة السورية وسام الاستحقاق تقديراً للجهود التي بذلها طوال ثلاثين عاماً في تعليم اللغة العربية.
ما استطاع تأليفه وإنشاءه من النظم والنثر: ولع في فاتحة حياته ولعاً شديداً بالشعر نظماً وقرضاً، ثم نظم بعض القصائد في موضوعات مختلفة فصادفت قبولاً من بعض الأدباء وغيرهم، فأفضى ذلك إلى أن يكثر الناس طلب تواريخ منه لينقشوها على حجارة القبور لموتاهم، حتى مل من ذلك وسئم قول الشعر، فأمسك عنه.
وحين قرأ العروض والقوافي نظم رسالة فيها، فجاءت مطولة بلغت مئتين وخمسين بيتاً، فاستكثرها ورأى اختصارها يحتاج إلى وقت طويل لم يجده، فمزقها وأحرقها.
أما النثر فقد استطاع على كثرة أعماله وقلة أعوانه وضيق أوقاته أن يضع بعض الكتب والرسائل، وأن ينشئ بعض المقالات في مواضيع مختلفة، منها: (المنهل الصافي في العروض والقوافي)، وقد جمع هذا الكتاب من مسائل هذا العلم مالم يجتمع في غيره، ورتب مسائله ترتيباً محكماً حتى جعله كالسلسلة المتصلة الحلقات آخذ بعضها برقاب بعض، وواضحة غاية الإيضاح، وأكثر فيه من الشواهد ليتسنى لكل أحد فهم مسائله بأسلوب تهواه النفوس وتهوي إليه القلوب، وقد تم تأليفه وانتهى وأعده للطبع.
ومنها كتاب في النحو سماه (مرقد العلم ومرشد المتعلم)، وهو كتاب جامع لأكثر ما تشتت من مسائل هذا العلم، وقد حرص فيه على جمع الأشباء والنظائر، وإدخال كل مسألة في بابها، ورتبه على أسلوب يسهل معه الرجوع إلى ما يريده الباحث من مسائله (ولم يتم بعد)، ومنها رسالة في أحكام (ما) و(من)، وقد استوفى كل ما يتعلق بها من الأقسام والأحكام، وهي من الدروس التي ألقاها في كلية الآداب.
ومنها رسالة في (الكرم)، جمع فيها كل ما يتعلق بالكرم من حين يغرس إلى أن يثمر وينضج ويتخذ طعاماً أو شراباً، وذكر ما لكل جزء من أسمائه في كل طور وما يعرض له، ورتبه على ترتيب الكرم الطبيعي ليسهل الرجوع إليه، وقد يجد الباحث فيها ما لا يجده في غيرها، وقد تمت وطبعت في مجلة المجمع العلمي في دمشق.
ومنها (عدة الأديب )، وهي ثلاثة أجزاء صغيرة، جمع فيها طائفة من كلام البلغاء والحكماء والعلماء والشعراء وشرحها شرحاً وافياً، وقد شاركه في تأليفها الشيخ محمد الداودي، وطبعت عام 1345ﻫ.
ومنها (عمدة الأديب )، وهي كتب متعددة جمع في كل واحد منها ما يتعلق بكاتب واحد ومنها ما يتعلق بكاتب أو شاعر واحد من أخباره وأشعاره ودراسة أدبه، وقد تم بعضها، منها (امرؤ القيس، وعبد الله بن المقفع، والنابغة الذبياني، وعلي بن أبي طالب، وقد طبعت جميعها.
ومنها شرح وتحقيق (رسالة الملائكة) لأبي العلاء المعري، وتفسير الشواهد فيها، وبيان قائليها وتراجمهم، وقد طبعت في دمشق عام 1363ﻫ.
ومنها ترجمة (أبي العلاء المعري) وأخباره ودراسة أشعاره، ولم يطبع، وهو أجمع كتاب لأخبار أبي العلاء ودراسة أدبه، وفيه تحقيق كثير لما كتب فيه أو نسب إليه، وتصحيح لكثير مما وقع فيه العلماء من الخطأ والأخبار.
ومنها (رسالة في الطرق)، وهذا الغرض لم ير فيه لأحد من المتقدمين كتاباً ولا رسالة، وقد سأل كثيراً من أوعية العلم: هل رأى أحد منهم شيئاً على هذا القبيل؟ فقالوا: لا، وقد ذكر فيها أسماء الطرق وأقسامها وأنواعها في السهل والجبل والأودية والموارد وغيرها، وقد طبعت معظمها في مجلة المجمع العلمي العربي.
ومنها رسالة في الأودية ومسايل المياه، جعلها ملحقة برسالة الطرق تتميماً للفائدة.
ومنها (رسالة في المعلمين)، وهي على وشك الإتمام، وقد اشتملت على كثير من أخبارهم ونوادرهم ومزاياهم المحمودة والمذمومة، وعلى منزلتهم عند الخلفاء والأمراء والأعيان والناس، وربما كانت أجمع رسالة في هذا الموضوع.
وألف كتباً أخرى في مباحث لغوية وغيرها:
منها كتاب إصلاح الفاسد من لغة الجرائد، وتم طبعه في عام 1343ﻫ.
ومنها رسالة الأطعمة والأشربة في بلاد الشام، وهي لم تطبع بعد.
ومنها رسالة العادات في بلاد الشام، وهي لم تطبع بعد.
ومنها رسالة الأمثال العامة في بلاد الشام، وهي لم تطبع بعد.
وأما المقالات فقد نشر الكثير منها في مجلة المجمع العلمي، ومجلة الهلال المصرية، ومجلة العرفان، ومجلة الرابطة الأدبية، وغيرها.
وقد وضع رسائل متعددة تشمل على دراسة جماعة من أعلام الأدباء والشعراء كجرير والفرزدق والأخطل وعمر بن أبي ربيعة وزهير والأعشى والحطيئة والخنساء وحسان وأبي تمام والبحتري وأبي نواس، وشرح كثيراً من قصائدهم، إلا أن اعتلال صحته حال بينه وبين إنجاز ذلك.
وفاته: روعت محافل العلم والأدب حين أعلنت الإذاعة السورية نبأ وفاة هذا العلامة الجليل يوم الإثنين 8 ربيع الأول سنة 1375ﻫ، الموافق 24 تشرين الأول سنة 1955م، وقد نعاه إلى الأمة المجمع العلمي العربي، وألحد الثرى بموكب مهيب إلى مقره الأبدي في مقبرة أسرته بالدحداح بدمشق، وهكذا فجع العلم والأدب، وانقطع وحي بفقد إمام هذا العصر وحجته في علوم اللسان.
وقد أقيمت له حفلة تأبينية كبرى في مدرج الجامعة السورية، وأشاد الخطباء والشعراء بمآثره وآثاره، وكلهم من تلامذته، وكانت كلمات التأبين على ترتيب إلقائها:
1 ـ الدكتور أحمد السمان رئيس الجامعة السورية 2 ـ الأستاذ شفيق جبري عميد كلية الآداب 3 ـ الدكتور جميل سلطان مدير الثانوية الكبرى بدمشق 4 ـ معالي الأستاذ محمد المبارك عمدة الكلية الشرعية سابقاً 5 ـ قصيدة الأستاذ أنور العطار مدير ثانوية البنين الخامسة بدمشق 6 ـالأستاذ علي الطنطاوي المستشار في محكمة التمييز السوريـة 7 ـ الشـيخ عبد الرزاق الحمصي مدير الثانوية الشرعية بدمشق 8 ـ صاحب الغبطة المرحوم اغناطيوس افرام الأول برصوم بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس 9 ـقصيدة للـدكتور زكي المحاسني عضو لجنة التربية في وزارة المعارف السورية 10 ـقصيدة شاعر الشام الأستاذ خير الدين الزركلي، وهذه فريدة الشاعر الملهم البليغة الأستاذ أنور العطار، قال:
طوى الأحبَّة صدع البين فانتثروا | وخلفوا النفس موصولاً بها العبرُ |
فالقلب من بعدهم مستوحش جزع | كالغصن عري منه الماء والزهرُ |
أبكيهم وبنفسي من تذكرهم | رؤى تطوف بأجفاني وتنحسرُ |
هيهات ما صدّهم عن خاطري سفر | ولا خلت منهم الآصال والبكرُ |
ولا محاهم من الأيام فاجعها | ولا انطووا في الليالي وهي تستترُ |
ظلوا نفائس لم تنفد ذخيرتها | وللنفائس مخبوء ومدخرُ |
هم الحقيقة لم تطمس معالمها | ولا ألمت بها الأرزاء والغيرُ |
عاشوا أحاديث نفسي في تفردها | فكان لي منهم الأحلام والذّكرُ |
طافوا بوادي الردى جذلى سرائرهم | ما شانهم في الدنا بغي ولا أشرُ |
كانوا النعيم لمن حاق الشقاء به | وسربلوا بضياء الفكر وائتزروا |
مروا كراماً نقيات شمائلهم | كالنبع سال بعذب وهو ينفجرُ |
عاشوا لغيرهم بقيا ومحمدة | واستنفدوا العمر ما ملّوا ولا فتروا |
وأوسعوا الأرض إحساناً وعارفة | وغيرهم مر لا ماء ولا شجر |
أولئكم نذروا الله سعيهم | فأثمر السعي وانقادت لهم نذر |
نمضي لواذاً على النهج الذي نهجوا | ونستدل على العبر الذي عبروا |
ونقتدي بهم والخطب مشتجر | ونستبين بهم والليل معتكر |
ويطفح الكون من أنبائهم سيرا | ويستطل بما جادوا وينبهر |
فهات يا قلب عن أحبابنا خبرا | فكم يشوقك من أحبابك الخبر |
* * *
(سليم) يا حجة الفصحى وموئلها | يا وردها العذب مأموناً به الصدر |
ويا كتاباً قبسنا من صحائفه | بدائع الناس ما صاغوا وما سطروا |
ويا ربيعاً تندى رقة وشذا | فطيب الأرض منه النافح العطر |
على خمائله الأطيار صادحة | وفي مسايله الأغراس والغدر |
* * *
قد كان لي من نداك الصفو منتجع | وكان لي من نهاك السمع والبصر |
أريتني طرق التبيان واضحة | يسري بها الخالدان: الرأي والأثر |
فبان لي الصبح لم يلمم به غسق | ولاح لي النهج لم يعلق به وضر |
وما عرفت سوى الإحسان مرتفدا | ولا استباك إلى غير العلا وطر |
أتعبت نفساً لغير الحق ما تعبت | ولا أطاف بها هم ولا كدر |
ما زلت ليلك تطويه على سهر | حتى تسمر في أجفانك السهر |
منقباً عن أصول القول مجتهدا | ما هد جنبك لا أين ولا ضجر |
وما نظرت بلب ناقد فهم | إلا استقام لك التنقاد والنظر |
عزيمة ملؤها الإخلاص صادقة | ما شاب إيمانها ضعف ولا خور |
غبرت تعلي كتاب الله مبتدرا | يصونه منك لب حاذق خبر |
ما صنته صينت الفصحى وعصبتها | وكان للعرب منه الفوز والظفر |
مسدد الرأي لم تكهم قريحته | ولا تناهى إليها العي والحصر |
تمشي إلى ورده الألباب دائبة | فترتوي ثمة الألباب والفكر |
ملكت من صهوة الفصحى أعنتها | وقد أعان على استمساكها القدر |
فقدتها لصباح سافر بهج | يعمه الخير والأوضاح والغرر |
ليهنك اليوم أن الله سلمها | وأنها في رحاب الأرض تنشر |
وأن واديها نهلان من أمل | وأن ناديها بالسعد مزدهر |
وأنها أطلعت للسالكين جنى | يبقى على الدهر لا يفنى له ثمر |
ويا ضريحاً نفديه ونحرسه | أليس يرقد في أحشائه مضر |
* * *
تأوي النجوم إلى داراته زمرا | ويستريح على أعطافه القمر |
تسري إليه مآقينا مراعية | حتى تكاد دموع القلب تبتدر |
لولا التقى لتلمسنا حجارته | كما تلمس في سعي الورى الحجر |
ما كنت أعلم أن القاع مختبأ | للدر حتى تملت منكم الحفر |
فطابت الأرض آكاماً وأودية | وطاب من نشرها الإمساء والسحر |
* * *
وأنة لي أخفيها وأظهرها | كما يئن على أحبابه الوتر |
أفضى بها الصدر مكلوماً يرددها | حتى عراني من ترديدها البهر |
فيا معريّ لا تبعد فإن لنا | شوقاً إليك على الأيام يستعر |
قريعه كنت في علم وفي أدب | إذا البيان نمته الأنجم الزهر |
في عفة تسع الدنيا وساكنها | فليس يبطرها جاه ولا خطر |
صيغت من الحمد والتقوى دعائمها | فهل أطل على دنياكم عمر |
بحسبكم يا بني الجندي أن لكم | تاجاً من الحمد مزهوًّا به العصر |
ثم غير باك على الفصحى وشيعتها | فالله حرز لها والآي والسور |
* * *