جاري التحميل

محمد سليم قصاب حسن

الأعلام

محمد سليم قصاب حسن([1])
(1847 ـ 1915م)

مولده ونشأته:ولد الشاعر محمد سليم بن أنيس بن محمود بن سعد آغا بن حسين آغا الشهير بالقصاب حسن في مدينة دمشق سنة 1847م، وأصل أسرة (قصاب حسـن) مـن المدينة المنـورة، وقـد حضـر جده الأعلى منذ سبع مئة سنة واستوطن دمشق، أخـذ العلـم والأدب عـن علامة الشام المرحوم الشيخ سليم العطار، ولازم دراسته العلمية حتى برع وفاق.

مراحل حياته: نشأ فقير الحال، فاكتنفه بعطفه المرحوم محمد باشا العظم الذي كان رئيساً لمجلس المبعوثين العثماني ووزيراً للأوقاف في العهد التركي، وقد مدحه ووالده المرحوم علي باشا بقصائد كثيرة، ولتحول مجرى حياته من الفقر إلى الغنى قصة واقعية، فقد تولى المرحوم محمد باشا العظم الإشراف على تمديد الخط الحجازي من دمشق إلى المدينة المنورة، وفي ليلة بينما كان محمد باشا المشـهور بالتقـى والصـلاح فـي الحـرم النبـوي أصابتـه غفـوة فـرأى الرسـول الأعظم ﷺ في الرؤيا، وقد لمس جبينه بيده الطاهرة، وقال له: أوصيك خيراً بقصاب حسن، وكان الشاعر المترجم قد مدح الرسول الكريم ﷺ بقصائده البليغة، فلما عاد محمد باشا العظم إلى دمشق أقام حفلة مولد دعا إليها العلماء والوجهاء والشعراء والأدباء وقص عليهم حادث الرؤيا، ثم أعطى الشاعر خمسة آلاف ليرة ذهبية، وفتح له محلًّا كبيراً بسوق الحميدية لبيع الأقمشة، وقد فتح الله عليه وتوسع رزقه، وبعد خمس عشرة سنة استرد محمد باشا العظم المبلغ منه بعد أن نال ما يصبوا إليه من ثراء ورغد في العيش.

شعره: كان شاعراً مجيداً ماهراً ينظم التواريخ، جمع شعره في ديوان سماه (نشأة الصبا ونسمة الصبا) طبعه بمطبعة الجمعية الخيرية بدمشق سنة 1880م، ويتضمن خمسة أبواب في المدح وتواريخ المولودين والمباني وفي الغزل، وفيه فصل بما نظمه مخمساً ومشطراً وفي الهجاء وفي الرثاء وتواريخ وفيات الأعيان وفي الموشحات.

وقد مدح الرسول الأعظم ﷺ بقصيدة ذكر فيها مئة وستين نوعاً من أنواع البديع، ومطلعها:

حي الطلول وحي الربع من أضم

واذكر لديهم قتيل الوجد والسقم

صب إذا كابد الأشواق صب على

ذكر العقيق عقيق الدمع كالديم

كأنما العين لما النوم فارقها

قد عاهدته بأن تروي الثرى بدمي

ومن بديع وصفه قوله:

هو المصطفى صفوة الله من

تفرد في الخلق لا ند له

يقولون صفه وهل مدرك

كمالاته غير من كمله

فما للعقول وصول إلى

حقيقته والذي فضله

وجيز المديح له أنه

عظيم على قدر من أرسله

كان والد المترجم المرحوم أنيس شاعراً موهوباً، فلما تغرب عنه ولده الشاعر كتب إلى أبيه قصيدة يشكو فيها فراقه وأشواقه، فقال في قصيدة طويلة مطلعها:

سر يا نسيم الصبح واقض الواجبا

والثم ثرى الأقدام عني نائبا

واذكر لأكرم والد أحوال من

قد بات منه القلب شوقاً لاهبا

فأجابه والده الشاعر بقصيدة تفيض بالشعور والحنان، نقتطف منها بعض أبياتها:

سهم النوى للقلب أقسم صائباً

بعد الطعان قد استحال مصائبا

ومنها:

وحياتكم قلبي رهين عندكم

وعيون أشواقي عليه رواقبا

عم السقام بمهجتي والمرسلا

ت مدامعي تترى السحاب الساكبا

رغماً علي أكابد الوجد الذي

لا ينطفي في الجوف أمسى لاهبا

وختمها:

أو ما أنيس بفرط وجد قائل

سهم النوى للقلب أقسم صائبا

أما غزله فيدل على بدائع وصفه، وهذا قوله:

سحر بجفنيك أم سهم من القدر

أصاب قلبي وما رد القضا حذري

الله في حالتي عيناك قد فتكت

فتك الأسود فلم تبق ولم تذر

أصبو إلى قدك الخطار أسمره

وإنني منه والله على خطر

يا سائلي في الهوى العذري عن خبري

فإن عامله من مبتدا النظر

الحب في القلب لم تدرك حقيقته

كالماء في الزهر أو كالنار في الحجر

وفاته: اقترن الشاعر بالسيدة لبيبة من أسرة السيوفي الدمشقية، فلم ينجب ولداً، فورثه أولاد أخيه، وقد أضاعوا تراثه الأدبي لسكناهم في الأستانة وعدم تقديرهم الأدب، وتعذر علي معرفة تاريخ وفاته، فاستخرجته من شاهدة القبر، فكانت وفاته في اليوم الرابع من شهر جمادى الثانية سنة 1334ﻫ، الموافق شهر نيسان سنة 1915م، وأرخت وفاته الشعرية:

فله البشرى بتاريخ يقيه

جنة الفردوس داراً لسليم

*  *  *

 



([1])  (أ) (2/114 ـ 115).

الأعلام