محمد الضالع النجدي
محمد الضالع النجدي([1])
(1843 ـ 1918م)
أصله ونشأته: هو الحاج محمد بن محمود بن عثمان المعروف بالضالع، وأصله من القصيم من بلاد نجد، انتقل والده إلى بغداد فاستوطنها وملك بها، وولد له المترجم بها سنة 1259ﻫ و1843م، وبعد أن قرأ القرآن وأحسن الحظ وشب كان والده يرسله في تجارة المواشي بين حلب وبغداد، وبعد وفاة والده أقام المترجم بحلب واستوطنها، وذلك بعد سنة 1863م، وقد أدى فريضة الحج سنة 1875م وبعد عودته تزوج بحلب سنة 1293ﻫ وتوفق في تجارته فأثرى، وأخذ يعمل في وجوه البر والإحسان، فأنشأ في سنة 1300ﻫ مسجداً في محلة الضوضو بحلب، وخصص له عقارات بجانبه لتأمين الإنفاق عليه وإقامة الشعائر الدينية فيه، كان ميالاً إلى العلم ومعاشرة الأدباء فتلقى النحو على العلامة المرحوم الشيخ بشير الغزي، وطالع الفقيه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وأكثر من مطالعة كتب التفسير والحديث والأدب والتاريخ، وأكب على مطالعة كتب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، واجتمعت لديه مكتبة نفيسة حوت كثيراً من الكتب المطبوعة لم تزل محفوظة عند أولاده.
كان مولعاً بمطالعة الصحف والمجلات، واقفا على أخبار العالم وسياسة الدول، وقلما يخطئ له رأي في مطالعته السياسية، وكان حسن الأخلاق، كريماً مستقيماً في أحواله، يتعاطى التجارة وطبخ الصابون في المصبنة الكائنة في محلة البياضة، واتخذها سوق عكاظ يؤمه إليها العلماء والفضلاء، ويتطارحون الأدب.
كان وهابي المذهب، ومن الدعاة إليه، يناظر فيه عن علم ممزوج بآداب المناظرة وحسن المجاملة، ولا يمنعه عن المجاهرة بعقيدته ومحاربته لأهل البدع، وكان يتحاماه أكثر عارفيه في العهد الحميدي التركي، وبقي صلد العقيدة، مجاهراً بآرائه، لم يثن عزمه لوم لائم، ولا وشاية واش.
مواهبه الأدبية: كان ناثراً مبدعاً، وله رسالة وجيزة في الرد على خطبة الموسيو جبرائيل هانوتو، التزم فيها السجع.
وقد التحم بعض الشعراء من أجل المذهب الوهابي وأوضحت قصائدهم آراء الفريقين، وكان المترجم من المنتصرين للوهابية، وإذا تأمل القارئ في ذلك يرى أن الفريقين قد فرطوا وأفرطوا، فما أحوج الأمة الإسلامية إلى نبذ هذا النزاع، واستبد له بالوئام والوفاق في عهد تألب الغرب ومدّ مخالبه على الشرق.
ومن شعره قصيدة رثى بها أحد علماء الموصل، مطلعها:
أتى بلسان البرق ما ضيّق الصدرا | وهيج لي حزنا وقد أقلق الفكرا |
كأني أرى فيه الصواعق أبرقت | وأنى أرى من لمعه البؤس والضرا |
ومنها:
جليل مقام نينوى نفتخر به | على جبله لو أنه يرتضي الفخرا |
سقى الله أرضاً حلّها صيب الرضا | وأبدل قبراً حله روضة خضرا |
لقد كان يرجى منه خير دعائه | لنفع به في هذه الدار والأخرى |
فأصبح محتاجاً إليه ولم نكن | بأهل له أنى ونجتلب الوزرا |
لهونا بدار اللهو في نحو من نرى | ونسعى فلا جهراً سلكنا ولا سرا |
ونمزج جهلا بالرياء فعالنا | ونخلط في إيماننا سفها نكرا |
توفي ليلة الثلاثاء في الرابع من شهر رمضان سنة 1337ﻫ ـ 1918م، ودفن في تربة الشيخ جاكير، وأوصى بعشرة آلاف ليرة عثمانية تصرف في سبيل البر والإحسان، وقد أعقب ولدين هما مراد ونعمان مازالا تاجرين في حلب.
* * *