محمد عبد الله
محمد عبد الله (النشار)([1])
الشاعر المتفنن المرحوم الشيخ محمد عبد الله الشهير بالنشار
هو المرحوم الشيخ محمد عبد الله الشهير بالنشار بن محمود بن أبي بكر النشار لقباً، والمزيك الحسيني نسباً، والحلبي مولداً وموطناً، ينتهي نسبه إلى المسند الكبير الشيخ أحمد جاكير الحسيني دفين حلب.
ولد المترجم في مدينة حلب سنة 1270ﻫ 1853م، فنشأ بها وقرأ القرآن على الترتيل والتجويد، وأخذ العلم عن بعض كبار المشايخ، وفي سنة 1294ﻫ أخذ الطريقة الرفاعية عن المرحوم الشيخ حسن الكيالي، كان يتجر ببيع القماش، لم يتزوج في مدة عمره قط، واستفاد في بيئة حلب الثقافية والفنية فأخذ عن علماء وفناني عصره العلوم والفنون، فذاع صيته واشتهر أمره، وكان إذا حضر مع الفنان الحلبي الشهير المرحوم الشيخ أحمد عقيل في مجلس طرب طلب من المترجم النشار أن ينشد بصوته الشجي ليستمتع بفنونه.
أوصافه: كان رحمه الله طويل القامة، أسمر اللون، كث اللحية أبيضها، وأسود العينين أكحلها، حسن المبسم، وسيع الجبهة، حسن الصوت، سهل الطباع، بعيد مابين المنكبين، نحيل الخصر، وكان شجاعاً متورعاً ذا هيبة ووقار، حسن المنظر، يلبس في أكثر أوقاته الثياب البيض وجبة طويلة بيضاء، وفي رأسه عمامة مطرزة بالحرير الأصفر، يتأخر في مشيه عمن معه من شدة تواضعه، متمكناً في الدين، يدور مع الحق حيث دار.
فنه: كان رحمه الله له الوقوف التام على علم الموسيقى وتفرعاته، وكان يرأس الإنشاد في الزاوية الكيالية الكبيرة بحلب، وينظم القدود الظريفة والموشحات اللطيفة، وابتلى بمرض في عينيه حتى أشرف على العمى، فتعاطى أشـياء كثيرة مـن أنواع الطـب فلـم يجد له شفاء، فألهمه الله تعالى التوسل بالنبي الكريم ﷺ، فنظم في تلك الليلة هذا الموشح:
يا غياث الثقلين | أشتكي ظلمة عيني |
أنت للأكوان نور | وضيا قلبي وعيني |
فبات مبتهلاً ومستغثياً، فلم يصبح إلا وهو معافى.
شعره: له ديوان شعر خطي لم يطبع بعد، واسمه ديوان النشار المسمى (بنديم الجلاس في مدرج خير الناس)، وله تخاميس وتشاطير كثيرة، ومن قوله مخمساً في المدح والتوسل:
بعبير عرف ثناكم عبق الشذى | وبزاد حبكم الفؤاد قد اغتذى |
ناديتكم وعلي ضدي استحوذا | أيحول حول من التجى لكم أذى |
أويشتكي ضيماً وأنتم سادته |
ومن تخميسه البديع:
وبديعة خطرت بجنح دجاها | قمر المحاسن في السماء تلاها |
ليلاً بدت فمحى الظلام ضياها | قسماً بشمس جبينها وضحاها |
وبليل طرتها إذا يغشاها |
ومنه:
فتنت جميع العالمين بقدها | أسرت جميع العالمين بحبها |
لما رأت صدق الهوى من حبها | قالت محاسن وجهها لمحبها |
لنولينك قبلة ترضاها |
ومن موشحاته الغزلية موشح من مقام الراست، وزنه مدور مصري:
لذ لي خلع العذار | في هوى ذات الخمار |
عز صبري واصطباري | أحرقت جسمي بنار |
أقبلت عند الصباح | تنجلي تحت الوشاح |
فتنت كل الملاح | ليتها تسعد مزاري |
وهذا موشح صبا وزنه سماعي دارج:
في الليل قد أقبلت | بدر السما أخجلت |
لما بدت وانجلت | غدا الظلام ضيا |
في الطور قد كلمت | كليمها كلمت |
وعندما كلمت | أنوارها بادية |
الوقت لي قد صفا | لما فؤادي صفا |
شربت كأسا صفا | من خمرها حاليا |
وقرظ بعض الشعراء، منهم المرحوم مسعود الكواكبي نقيب الأشراف في الشهباء ديوان المترجم فقال:
لقد بدل النشار فينا أغانيا | من اللهو مدحاً في الحبيب المعظم |
فبدل إلهي سيئات له مضت | إلى حسنات يا عميم الترحم |
وفاته: وفي اليوم الثالث من شهر ذي القعدة سنة 1328ﻫ و1910م، توفي إلى رحمة ربه، وقد أرخ وفاته الأديب الأستاذ محمود نديم الحريري الرفاعي، فقال:
بشرى لمداح النبي المصطفى | من قد سمى بمحمد النشار |
للشيخ جاكير المكرم ينتمي | كم قام في الأسحار للأذكار |
نال المنازل في المقامات العلى | أرختها بمدائح المختار |
وقد دفن رحمه الله في التربة الشهيرة بجب النور شمالي حلب الكائنة عند محلة قسطل الحرامي، وأفاض الشعراء برثائه وذكر مناقبه وسجاياه الفاضلة.
* * *