جاري التحميل

محمد علي الأسطة

الأعلام

محمد علي الأسطة([1])

المتفنن الغاوي المرحوم محمد علي الأسطة

لقد طلب إلي الكثير من غواة الفن أن أتحدث عن الفنان المرحوم السيد محمد علي الأسطة الدمشقي، وكان المرحوم الحاج عمر البطش الفنان الحلبي المشهور قد أفضى إلي بمناسبات كثيرة عن ألمعية هذا الفنان وبراعته في علم التصوير أو (قلب العيان) وإجادته حفظ الأدوار والقصائد والموشحات القديمة وأوزانها وإلقائها بإتقان وانسجام، وكان أعلام الفنانين المصريين الذين يترددون إلى البلاد السورية يشهدون للفقيد بقوته الفنية.

أصله ونشأته: هو المرحوم محمد علي بن إبراهيم بن محمد الأسطة الدمشقي، ولد بدمشق سنة 1893م، وكان منذ صغره مولعاً بالفن الموسيقي فألقى مدير مدرسته على عاتقه مهمة الأذان في أوقات الصلاة، تلقى الفقيد علم النغمة والتصوير والإيقاع على المتفنن البارع المرحوم توفيق الحسيني الدمشقي والقصائد والموشحات على المرحوم محيي الدين بعيون الفنان البيروتي المشهور، وسافر إلى مصر مرات عديدة وتعرف على أعلامها، واستفاد من الفنون الحديثة، فكان رحمه الله لا يسمع بدور حديث أخرجه الملحنون إلا وسارع لأخذه وحفظه بمنتهى الدقة.

خدمته العسكرية: وفي خلال الحرب العامة الأولى ذهب إلى الجندية الإجبارية، واستخدم في الجيش، ثم تنقل بين القدس والمدينة المنورة وحلب بخدمات بسيطة، وكان يلازم ضباط الجيش في حفلاتهم الخاصة، وأنسوا بمعشره وقربه، ورأوا في فنونه وصوته عزاء وسلواناً في غربتهم الموحشة، ثم عاد من الجندية بعد الحرب إلى دمشق، وقد تأثرت مواهبه بالفنون التركية، ثم تعرف على الفنان الحلبي الحاج عمر البطش فنهل من فنون الشيء الكثير وتجلت مواهب فنه بشكل فتان.

فنه وصوته: لم يك مؤلفاً ولا ملحناً، بل كان مطرباً غاوياً في إطار المغنى الشرقي، ولو أراد امتهان الفن لبرع وفاق، وهبه الله الذوق الرفيع والحسن العميق في الغناء، والقدرة على الأخذ بسرعة، كانت قوة فنه تغطي على قصر صوته، ومن أبرز نواحيه الفنية أنه كان فارس الميدان في تصوير الأنغام، وله جولات رائقة يرسلها دون تكلف، وباستطاعته أن يقحم أكبر الموسيقيين في ذلك.

كان رحمه الله يحب إنشاد ألحان الفنان المرحوم محيي الدين بعيون المبتكرة من نسيجٍ فني خاص، فيلقي قصائده المشهورة بطرب وإبداع، منها:

أيا قمراً على غصن يميل

لحاظك كم لها مثلي قتيل

فكان الغواة يتلهفون لسماعها من الفقيد بشغف وافتتان.

أحواله وأوصافه: لقد بدد ثروته الموروثة في سبيل الفن، يأنس بلقاء الفنانين وإكرامهم، ويرى الفن أرفع شيء في الوجود، يهوى حياة المرح والانطلاق، عزيز النفس، كريم الخلق، حسن الهيئة، قضى حياته بالطرب والمجون، فكانت لياليه كلها بهجة وصفاء، وقد أضناه السهر فأنهك قواه وتلاشت صحته ولم يرفق بنفسه.

وفاته: وفي اليوم الثاني من شهر أيلول سنة 1948م قضى نحبه وهو في عنفوان كهولته، ودفن في مقبرة أسرته في باب الصغير في الميدان بدمشق، وأعقب ولدين كفلهما عمهما الدكتور إسماعيل الأسطة، فأحاطهما بعطفه ورعايته.

*  *  *

 



([1])  (أ) (1/272).

الأعلام