جاري التحميل

محمد علي زينل

الأعلام

محمد علي زينل([1])

الشيخ محمد علي زينل

(1873م)

مولده ونشأته: هو طود العلم وباني أمجاد الثقافة بعد موتها في الأراضي المقدسة، ولد الشيخ محمد علي بن زينل علي رضا في جدة سنة 1290ﻫ ـ 1873م، وكان أبوه من كبار تجار الحبوب المستوردين، وله محل تجاري عظيم في جدة، وآخر في بومباي (الهند)، وقد عني والده بأمر تربيته، فنشأ في مهد الفضيلة والعز، ولما كان لا يوجد في الحجاز أية مدرسة ابتدائية، وكانت الثقافة في عهده مقتصرة على الكتاتيب لتعليم القرآن الكريم؛ فقد أحضر له أساتذة خصوصيين لتعليمه علوم الدين والعربية واللغة الإنكليزية، فتضلع بها ونبغ.

رسول الثقافة: لقد انبثق نور العلم في أرض الحجاز التي شرفها الله ببيته الحرام، وأسكن فيها من عباده العرب خير أمة أخرجت للناس، ومنحهم من السجايا الفاضلة ما أمرهم عليها الإسلام، وفي أرض الحجاز نبت قادة الحق وهداة الإنسانية، وقد عز ذلك على أعداء العرب، فأخمدوا فيها شعلة العلم والأدب حتى فقدت زعامتها على الأمم، وساد العلم والجهل، وعمت البطالة، وجل الحطب، وعز الدواء، حتى قيض الله لتلك البلاد أن تستيقظ من سباتها، وأن تسترد مكانتها على يد أبنائها المخلصين، فألهم العلامة المترجم أن يعمل في آخر عهد الأتراك على تأسيس أول مدرسة في جدة، وذلك عام 1907م، ثم أسس مدرسة أخرى بعد ثلاث سنين في مكة باسم مدارس الفلاح، فأخذت طريقها في نشر العلم بمختلف ألوانه، فكان له الفضل في تحرير أبناء الحجاز من قيود الجهل وذل الاستكانة، وأنجب رجالاً صالحين.

صبره واحتسابه: ولقي في أول عهده معارضة عنيدة من أبناء البلاد إذ ذاك، فلم تنثن عزيمته ولم يتردد في تدعيم رسالته الثقافية بشتى أنواع الترغيب والدعايات الحسنة، حتى إنه كان يغري أولياء الطلاب بمنحهم الأموال مقابل إدخال أولادهم المدارس، وقد كانوا يستعينون بهم في صنائعهم، وقد أقنع المترجم والده وكان أريحيًّا محبًّا للخير بفتح محل تجاري يختص به لينفق من ربحه على هاتين المدرستين ما يؤمن نفقاتهما، فأمده برأس مال كبير افتتح به محلًّا تجاريًّا في بومباي لبيع اللؤلؤ والمجوهرات، ثم فتح له فروعاً في لندن وباريس والخليج الفارسي، وقد وسع الله في رزقه الحلال، وجعل التوفيق حليفه، فتوسع في نشر العلم وأسس فروعاً لمدارس الفلاح في كل من البحرين وبومباي، وأوقف ريع تجارته الواسعة لإنماء هذه المدارس، وانبعثت أول بعثة علمية من خريجي هذه المدارس إلى بومباي، وأسس لهم شعبة مدرسية عالية فيها، وأحضر لها الأساتذة من أفاضل علماء الشام للتخصص في الشريعة واللغات الأجنبية؛ ليتمكنوا من نشر الدعوة الإسلامية إلى جانب سائر العلوم الحديثة، وقد عادت هذه البعثة إلى الحجاز في أوائل العهد السعودي، فأدى أبناؤها واجبهم من المساهمة في خدمة البلاد والحكومة.

صرح الخلود: وكما أشاد هذا العلامة صروح الثقافة في الحجاز بفضل مدارس الفلاح التي أنجبت رجال أكفاء حملوا مشعل العلم والأدب، فكانوا رسل النهضة العربية في عهد الحسين بن علي، فقد أشاد لنفسه صرح الخلود، واستحق أن تنشر فضائله في هذا السفر التاريخي تقديراً لخدماته الإنسانية الكبيرة.

وقد تطور الحال في الحجاز من العدم إلى الحياة في عهد السعوديين الذين عنوا بنشر العلم، وتشجيع ذوي المواهب من أبناء تلك البلاد، واكتشاف مواطن النبل في الأمجاد، وقد عرف السعوديون قدر المترجم وجهوده فأسندوا إليه وظائف علمية كبيرة، ومازال فضيلته مثابراً على خدمة العلم، ومشرفاً على تجارته الواسعة في بومباي، يتعهد المدارس التي أسسها، ونال من صاحبي الجلالة المغفور له الملك عبد العزيز والملك سعود المفدى كل تقدير وتشجيع وتكريم.

*  *  *

 



([1])  (أ) (2/502 ـ 503).

الأعلام