جاري التحميل

محمد عياد الطنطاوي

الأعلام

محمد عياد الطنطاوي([1])

الشيخ محمد عياد الطنطاوي

(1811 ـ 1861م)

نشأ في قرية صغيرة من قرى مصر، ثم في طنطا والقاهرة مركز الثقافة العربية، وانتهت حياته في سنت بطرسبرج. لقد تعذر علينا معرفة تاريخ ولادته بمصر، واستنتجنا من الكلمات المنقوشة على قبره بأنه توفي في السابع والعشرين من شهر تشرين الأول سنة 1861م بالغاً من العمر خمسين عاماً، فتكون ولادته في سنة 1811م على وجه التقدير.

في روسية: عين بتاريخ 22 آب سنة 1840م مدرساً للغة العربية بمعهد الدراسات الشرقية التابع لوزارة الخارجية الروسية، وكان يرتدي حلة شرقية وعمامة بيضاء، وقد أنعم عليه بوسام (آنا) فكان منظره عجيباً وهو يتدلى من عنق الشيخ فوق ملابسه الشرقية.

لقد كانت حياة هذا العالم مجيدة فذة، وهي أشبه بزهرة غضة غريبة تفتحت أكمامها، وفاح عبيرها في البلاد الروسية القديمة، وقد صوره الرسام الروسي (مارتينون)، وظهرت صورته في مجموعة صور العلماء الروسيين في أواخر عام 1853م.

مواهبه: لقد شغل كرسي الدراسة في سنت بطرسبرج من سنة 1847م إلى سنة 1861م، وفي مكتبة الجامعة آثاره التي تدل كيف قضى حياته في القاهرة وفي روسية، وفيها تفاصيل نهاية المأساة التي حدثت له في أواخر أعوامه.

وقد خلف مؤلفات قيمة منها: 1 ـ هدية العاقل، وهي رسالة تحتوي على معلومات خاصة عن أراضي روسية، كتبها المترجم بخطه في سنة 1850م، وأهداها إلى السلطان عبد الحميد، وهي موجودة في جامع رضا باشا برملي حصار في استانبول، وفيها يصف رحلته من القاهرة إلى سنت بطرسبرج، ذاكراً زيارة وطنه في سنة 1844م، ثم شرح بالتفصيل الأثر الذي خلفه في نفسه احتكاكه بالشعب الروسي في بلاده، وما رآه في روسية وفي مقاطعات البلطيق أثناء زيارته لها في العطلة المدرسية، ولمنفعة بني وطنه شرح تاريخ روسية الحديث، ووصف بطرسبرج وأماكنها الشهيرة بشكل بليغ، والرسالة مليئة بالآثار الأدبية الرائعة القيمة.

2 ـ كتاب علم الجغرافيا، وعثر شاب وهو موهوب بالمطالعة في مكتبة قديمة بشارع (لتني) على كتاب في علم الجغرافيا، وهو بخط العلامة الطنطاوي، وإن النسخة هي مسودة الكتاب؛ لوجود تصليح وإضافات بخط المترجم نفسه.

وقد خلف العلامة الطنطاوي في منصب التدريس بمعهد الدراسات الشرقية رجل عربي من طرابلس اسمه (ايرني نوفل)، وكان له أنجال مبذرون بددوا مكتبة أبيهم، فكانت محتويات هذه المكتبة تظهر من آن لآخر في حوانيت باعة الكتب بسنت بطرسبرج.

وقد ألف الأستاذ (كراتشكوفسكي) عضو المجمع العلمي الروسي، الذي له الفضل بإظهار آثار الطنطاوي إلى الوجود كتاباً عن حياته في عام 1930م التي تثير المشاعر، وتهيج القلوب والعواطف أسًى وحزناً على ما كابده الطنطاوي في عهد مرضه المؤلم.

مرضه: ابتدأ مرضه بشلل الأطراف في شهر أيلول سنة 1855م، وقد تسرب في بادئ الأمر إلى يديه، فعجز الطنطاوي في كفاحه عن الكتابة، فقد كانت يداه كلما حاول كتابة حرف عربي أو رومي أرتعشتا بتشنج، وأبرزتا بدلاً من ذلك خطًّا متعرجاً عجيباً يكاد يمتد على طول الصفحة بأسرها، وقد كانت الموضوعات التي يعالجها طريفة شيقة، ومن الصعب قراءتها، فقد كانت حروفها أحيانا تشبه الرموز والإشارات، وهذه الصفحات تكاد تنطق بأبلغ لسان عن تلك المأساة التي حلت به في أواخر أيام حياته، عندما بدأت تلك العلة تنخر في عظامه، وقد استمرت خمس أو ست سنوات من حياته.

وقد عثر بطريق المصادفة على حزمة كبيرة من الأوراق، واتضح أنها لم تقيد في فهرس مكتبة الجامعة، وهي منبوذة تحت خزانات مكتبة الجامعة، وكان عددها لا يقل عن مئة وخمسين ورقة كلها مملوءة بسطور غامضة، وبعد ترتيب أرقامها تجلت حقيقة الأمر، وكانت الأوراق ملأى بالموضوعات المفيدة، كالأمثال العامة المصرية وبعض نماذج التهاني والأغنية الشعبية، وبعض مذكرات مختلفة تبحث في علوم البلاغة واللغة والنحو والصرف، وكان من الواضح الجلي أن كل هذه الأوراق قد كتبت في الوقت الذي بدأ فيه مرض شلل الأطراف.

وفاته: لم يمض وقت طويل حتى غابت ذكرى الطنطاوي عن أبناء وطنه، فهم حتى أواخر العقد الثامن من القرن التاسع عشر لم يكونوا يعرفون ما إذا كان حيًّا أو لا، وقد وافاه الأجل في سنت بطرسبرج الروسية في السابع والعشرين من شهر تشرين الأول سنة 1861م، ودفن في مقبرة المغول بقرية (فولكوقا) في قبر نصب عليه لوح أنيق من المرمر، نقشت عليه الكلمات الآتية بالروسية والعربية: الشيخ محمد عياد الطنطاوي مستشار بالدولة وأستاذ معين بجامعة سنت بطرسبرج، توفي في السابع والعشرين من شهر أكتوبر سنة 1861م بالغاً من العمر خمسين عاماً.

*  *  *

 



([1])  (أ) (2/427 ـ 428).

الأعلام