جاري التحميل

محمد كرد علي

الأعلام

محمد كرد علي([1])

الأستاذ العلامة المرحوم محمد كرد علي

أصله ونشأته: هو الأستاذ محمد كرد علي، وأصل أسرته من السليمانية، تنسب إلى الأكراد الأيوبية، جاء والده إلى دمشق في التجارة وسكن فيها، ولد بدمشق في أواخر شهر صفر سنة 1213ﻫ 1876م من أم شركسية، وتلقى دراسته في مدرسة كافل سيباي الأميرية بدمشق، ونال شهادتها، وتلقى دروس اللغة الفرنسية على معلم خاص وبرع بالترجمة، وتعلم اللغة الفارسية والتركية، وأخذ عن الأساتذة المرحومين الشيخ طاهر الجزائري ومحمد مبارك والشيخ سليم البخاري شتى العلوم، وكان العامل الأكبر في توجيه إرادته نحو الدعوة إلى الإصلاح الاجتماعي والإقدام على التأليف والنشر والحرص على تراث حضارة الأجداد مع أستاذه الجزائري الذي بقي ملازمه إلى أن توفي سنة 1920م.

علمه وعمله ومؤلفاته: وتعاطى نظم الشعر، فنهاه أستاذه محمد المبارك، وطلب منه العناية بالإنشاء فقط، وكان ذا صوت رخيم، مولعاً بالفن الموسيقي، فقبل نصيحة والده وهو يافعاً بترك الإنشاد، وتخرج على الأستاذ المبارك باللغة والإنشاء، وعهد إليه سنة 1896م بتحرير جريدة الشام الأسبوعية، فحررها ثلاث سنوات كانت مدرسته الأولى في الصحافة، وساعده فيها معرفته التركية والفرنسية، ألف كثيراً وأفاد الأدب والثقافة والتاريخ، ومن مؤلفاته خطط الشام، رسائل البلقاء، غرائب الغرب، غابر الأندلس وحاضرها، تاريخ الحضارة القديم والحديث، رواية المجرم البريء، قصة الفضيلة والرذيلة، أمراء البيان، يتيمة الزمان، ثمانية مجلدات من صحيفة المقتبس.

أوصافه: كان رحمه الله عصبي المزاج، مغرماً بالموسيقى العربية، محبًّا للطرب والأنس والدعابـة، عاشـقاً للطبيعـة والسياحـة والعيش بنظـام دقيـق، يجتمـع بالمستشرقين فيسـمعهم صوت قومـه ويبثهـم أنـات وطنـه ويطلعهـم على آثام المستعمرين، ورث مزرعة في قرية جسرين.

رحلته إلى مصر: زار مصر سائحاً سنة 1901م، وهو يقصد الذهاب إلى باريس للدرس، وحرر في جريدة الرائد المصري، ثم عاد إلى دمشق بعد عشرة أشهر، واستفاد من أخذه من عالم الإسلام والإصلاح الشيخ محمد عبده وحضور مجالسه الخاصة.

علاقته مع الأتراك: وفي عام 1904م فتشت داره في دمشق بحجة أنه علق مناشير في شوارع المدينة مكتوبة بلغة سياسية، وتشرد عن داره أياماً حتى ثبت افتراء المفترين، وكان التضييق عليه في الشام يزيد كلما استفاضت شهرته، والشهرة كانت على صاحبها آفة في العصر الحميدي.

هجرته إلى مصر: ولما رأى المقام بدمشق عبثاً؛ هاجر الى مصر سنة 1905م، وأصدر مجلة المقتبس، وحرر في جريدتي الظاهر اليومية والمؤيد، وكانت تصدع بالوطنية المصرية وتنتقد سياسة المحتلين، وآزر في مجلة العالم الإسلامي الباريزية.

عودته إلى دمشق: ولما حدث الانقلاب العثماني سنة 1908م رجع إلى دمشق وأصدر جريدة المقتبس، ثم رحل عن دمشق إلى باريز بسبب ضغط الوالي التركي عليه، واتصل بعلماء المشرقيات وتعرف بالطبقة العليا، وطبع غرائب الغرب، وفيها وصف سياحته، وبعد إقامته ثلاثة أشهر بباريس عاد إلى الأستانة مبرءاً مما نسب إليه، ثم أقام ناظم باشا الوالي دعوة على جريدته وسجن شقيقه المرحوم أحمد، وسيق مع الشيخ إبراهيم المسكوني، وأرسلهما إلى الأستانة فسجنا مدة.

هربه إلى مصر: واضطر للهرب للمرة الثانية إلى مصر عن طريق البر مع قافلة من تجار الجمال، فدخل الإسماعيلية بعد سير أربعة عشر يوماً والصورة المنشورة تمثله في حالة هربه، بعث بها إلى صديقه الشهيد الدكتور عزت الجندي بتاريخ 30 تموز سنة 1912م، وقد كتب بذيلها (لحبيب الروح وطبيب الأجسام وأديب الأرواح الدكتور عزت بك الجندي، من صديقه الطريد الشريد).

ومن المؤسف أن صديقه الشهيد الأول العربي الدكتور عزت الجندي الذي تلقاه بالحفاوة والتكريم في مصر، وساعده في محنته ماديًّا ومعنويَّا لم يك وفيا لعهده وصداقته، فقد نسيه ولم يذكره بأية مناسبة في تاريخه ومؤلفاته!

ثم برئ وعاد إلى دمشق بعد ستة أشهر، وفي 8 حزيران 1919م شرع بتأسيس المجمع العلمي العربي، فكان رئيسه حتى وفاته، وفي شباط سنة 1924م عهد إليه بتدريس الآداب العربية في معهد الحقوق بدمشق، وفي 15 شباط سنة 1928م أسندت إليه وزارة المعارف، وزار إيطاليا وسويسرا وفرنسا والمجر والأستانة.

وفاته: وفي يوم الجمعة في 2 نيسان سنة 1953م وافاه الأجل المحتوم، فدفن في مقبرة باب الصغير بدمشق، وشيعت جنازته باحتفال مهيب، وخسرت البلاد العربية ركناً كبيراً من أعلام الأدب والتاريخ بوفاته رحمه الله.

*  *  *

 



([1])  (أ) (1/236 ـ 237).

الأعلام