جاري التحميل

محمد النصار

الأعلام

محمد النصار([1])

الفنان النبيل المتفوق الأستاذ محمد النصار

لم أر بين الفنانين المحترفين من شابه المطرب المبدع الفنان محمد النصار في سجايا النبل والأريحية إلا النادر من الفنانين الأقدمين كالمرحوم عبده الحمولي المصري، وحوادث عطفه شممه الواقعية مشهورة، فالنصار يحمل أكرم وجه أسبل الله عليه نعمة النبل وطيب السريرة وحب الخير للناس، فهو مرهف الإحساس يعطف على من ابتلاهم الدهر من زملائه الفنانين بالتنكيل والحرمان، فقضوا نحبهم وهو لا يملكون شروى نقير، وكفاه نبلاً وثواباً أنه صاحب المروءة والنجدة، الكريم الأريحي المتكفل بتجهيزهم إلى مراقدهم الأبدية، وقد سمعت عنه بعض الحوادث الواقعية، فأكبرت شهامته، وسالت مدامعي، وحمدت الله الذي أوجد بين البشر من تنسجم فيه هذه العواطف المثالية النادرة ـ أكثر الله من أمثاله ـ ليكون أسوة حسنة يقتدى بفضله ومناقبه الحميدة.

أصله ونشأته: هو السيد محمد بن المرحوم محمد كامل الشياح المعروف بالنصار، وهو من أسرة قديمة، ولد بمحلة قارلق بحلب سنة 1904م، واشتهر منذ حداثة سنه بعذوبة صوته، تلقى دروسه الابتدائية ونال شهادتها، ولفتت عناصر ذكائه ونجابته ورقة صوته أنظار مدير المدرسة، فكان يقدمه في شتى حفلات وزارة المعارف، وقد أنشد أمام المرحوم الملك فيصل الأول لما زار الشهباء سنة 1915م، وأعجب بصوته فأنعم عليه بهدية مستحسنة.

بدء حياته الفنية: ولما شب لمع اسمه وذاع صيته في المجتمع الحلبي، وما أدراك ما حلب، فهي مهبط الوحي الفني، وسؤرة رجاله الفنانين في البلاد الشرقية، وتولاه الأستاذ الكبير الشيخ محمد الزرقا بعنايته، والشيخ بشير الغزي بتوجيهاته، فأعطياه نموذجاً في الأناشيد النبوية والمديح وغيره، وحفظ القرآن الكريم على أكمل وجه في سن مبكر، وقرأ تعاليم التجويد على المقرئ الشيخ صالح الأوسي، ودفعه الميل الفطري للفن فدخل معترك الحياة الموسيقية والطرب وهو فتى، وتعرف على أشهر فناني حلب فتلقى عن المرحومين عمر البطش وعبده بن عبده والشيخ علي الدرويش الأدوار والموشحات وأوزانها، واشتغل برفقة أكبر الفنانين الحلبيين والمصريين.

سفره إلى العراق: وسافر إلى العراق فاشتغل في بغداد والموصل، وقد عرف بقوته وبراعته في الغناء العراقي، ونال شهرة حسنة لا يزال صداها في ذاكرة محبي الفن هناك، وكان موضع إعجاب واحترام الأوساط العراقية.

فنونه: وفي عام 1926م قام بتسجيل أسطوانات عديدة في شركة (أوديون)، واقتناها الغواة بإقبال منقطع النظير، وله تسجيلات في محطة الشرق الأدنى التي تعاقد معها سنة 1950م لا تزال تذاع منها، وأقام حفلات غنائية في دار الإذاعة السورية في أول إحداثها مدة تنيف عن السنة، وكانت الأوساط السورية والحلبية تترقب حفلاته فتصغي لها الآذان الصافية التي تقدر الفن والطرب الأصيل.

لقد شهد أهل الفن بأن الأستاذ النصار هو من أقوى الفنانين خبرة وأبرعهم تأثيراً في الطرب على النفوس، وقد أتاحت له مؤهلاته الفنية خبرة لم ينلها سواه، وهو يحفظ أكثر من ستين دوراً من القديم والحديث، ويحفظ موشحات عديدة أخذها عن أستاذه المرحوم عبده بن عبده ونوري الملاح، وله ألحان رائعة جعلته يحافظ على كيانه الفني بالإقبال والإعجاب، ويسعدني الإلماع بأن هذا الفنان هو من أحب الناس إلى القلوب، وهو الآن يعمل في مقهى الأزبكية مع الفنانة المشهورة (سعاد محمد)، وهو أول مطرب ناجح بشكل عام يدعى إلى الحفلات العامة والخاصة بحلب.

*  *  *

 



([1])  (أ) (1/334 ـ 335).

الأعلام