محمود خيتي الدوماني
محمود خيتي الدوماني([1])
الشاعر المبدع الأستاذ محمود خيتي الدوماني
أصله ونشأته: ولد السيد محمود بن بكري بن خيتي في دوما سنة 1891م، وهي مدينة بضواحي دمشق، وتكنت الأسرة بـ (خيتي)؛ لأن الجد الأول كان له سبعة أولاد فتك بهم الطاعون، فحزنت والدتهم على فقدهم وجزعت، فكانت تنادي (يا خيتي، يا خيتي)، فغلبت عليها كنية (خيتي).
وأصـل الأسـرة مـن عشـيرة البدرانيـة في اليمن، ونزح جدوده إلى دوما واستوطنوا فيها، وجده لأمه هو العلامة الشيخ محمد الخطيب الدوماني الكبير مفتي الحنابلة المتوفى في المدينة المنورة.
درس على الشيخ رشيد سنان، والشيخ مصطفى الشطي بدمشق.
في الثورة: ولما وقعت الثورة الفلسطينية في عام 1925م ضد المستعمرين الفرنسيين خرج مع فريق من شباب دوما اشتركوا فيها، وبعد إخمادها لم يستطع العودة إلى سوريا، فذهب في عام 1928م إلى مصر وأقام سنة لازم خلالها علماء الأزهر.
وفي غيابه صادر الفرنسيون أملاكه وحرقوا داره تشفياً وانتقاماً، فبلغه ذلك فقال قصيدة مطلعها:
يادار ما هدم العدو بناك | إلا لمجد شاده مولاك |
يادار لولا ما تكوني كعبة | للفخر ما كان اللهيب علاك |
كلا ولا النيران فيك تصاعدت | جمراتها وأتت على مغناك |
ما هذه إلا قليلاًمن لظى | ما في فؤاد الفرد من أعداك |
يادار مهلاً فالفضائل دونها | خرط القتاد ومنه هد بناك |
ومنها:
يا دار مهلاً فاصبري وتحملي | وتجملي فالله لا ينساك |
فلئن أتوك وأغضبوك فإنهم | عما قليل يطلبون رضاك |
ولئن محوا منك البهاء تشفيا | فسيحتمون بظلك وحماك |
وبلغه أن فريقاً من أبناء بلده حضروا وشهدوا حفلة حرق داره أمام المستشار الفرنسي، وأنهم ابتسموا ونطقوا بما يخالف العقيدة القومية العربية، فقال:
بسموا هناك فهالك تبسامهم | وأغاظك من لم يزل يلحاك |
لا تجزعي من بسمة فلكم تري | من ميت بسم وحي باكي |
ما كان ذنبك غير أنك ملجأٌ | للبائسين ومأملٌ للشاكي |
ومواردٌ عذبٌ يزول بها الظلما | وبروج أقمار فما أغناك |
وعاد في سنة 1929م إلى بلده بعد صدور العفو العام عن رجال الثورة.
شعره: له ديوانين: الأول ما نظمه خلال الثورة، والثاني بعدها.
ومن تصفح قوافيه سبر غور امتلاكه ناحية النظم وقوة أسلوبه وشاعريته، والشاعر المترجم يلقب بأبي عمر، ولما بلغه أن المؤلف سمى ولده عمر بعث بهذين البيتين البديعين:
قالوا تراك تهيم في حب القمر | والشمس منها نوره وبه ظهر |
فأجبت أني شاعر ومتيم | أهوى قوافي الراء حبًّا في عمر |
وللشاعر أبي عمر ولد اسمه (علي) عتب على أبيه أن يقول شعراً بأخيه عمر، وأن لا يذكره بشيء، فقال يخاطب ولده علي وأجاد:
قالوا من الخلفاء من تهوى ومن | منهم تفضّلُ أن يكون هو الولي |
قلت التفاضل لا يجوز وإنما | من كان مني كنت منه كعلي |
وتعرض شاعر دوما لمحن الدهر، وتنكرت له بعض العناصر، فقال في إحدى المناسبات:
خفض عليك فللأقدار أدوار | وحاذر الدهر إن الدهر غدار |
ولا تكن وجلاً من (كتلة) غدرت | فللبعثات ليال نورها نار |
وفي إحدى الأدوار الوطنية ساق الفرنسيون الشاعر مع ولده عمر، وكان عمره اثنتي عشرة سنة مكبلاً بالحديد إلى سجن دمشق، وهاله أن يرى فلذة كبده وطوق الحديد في يديه، فارتجل قائلاً:
وضع السلاسل في يديك وسام | قد قلدوك به وأنت غلام |
هل قدت جيشاً فانتصرت على العدا | فتحدثت في نصرك الأيام |
أم ساء دهرك ما رآك به على | صغر فقام وقامت الأخصام |
تعوي عليك كما الكلاب إذا رأت | شبلاً يعول ودونها الأوهام |
سِرْ يا بني إلى الأمام ولا تخف | هذي الكلاب فنبحها إيهام |
وقال أحد الشعراء يصف رحلة الوفد السوري في عام 1936م إلى باريس للمفاوضة مع الفرنسيين:
وسرت إلى باريس كالنجم ساريا | يرافقك التوفيق في طالع السعد |
فقابلتموا فيها أجل رجالها | مقابلة الأحباب والند للند |
فشطرهما شاعر دوما وقد أصاب الهدف في صميم الحقيقة، قال:
وسرت إلى باريس كالنجم ساريا | ببرج نحوس كان منك على عمد |
لذا قلت والأقوال صحت بأن لا | يرافقك التوفيق في طالع السعد |
فقابلتموا فيها أجل رجالها | وكنتم كمستجدي العطاء من الضد |
رجعتم ولا خفي حنين أهكذا | مقابلة الأحباب والند للند |
واضطرته بعض الظروف الخاصة للنزوح إلى شرق الأردن، فأقام في مدينة الزرقاء يتعاطى التجارة بضع سنين، فكان موضع الحفاوة والتكريم ترمقه عيون المعجبين بفضله وأدبه، ثم عاد إلى بلده دوما.
يمتاز هذا الشاعر بجرأته وصراحته ورزانته، وهو أحد زعماء دوما، له مكانة اجتماعية بارزة، وحق لدوما أن تعتز بمواهبه.
* * *