جاري التحميل

محمود سامي البارودي

الأعلام

محمود سامي البارودي([1])

(1839 ـ 1904م)

مولده: هو محمود بن سامي بن حسن حسني البارودي، وينتهي نسبه إلى نوروز الأتابكي الملكي الأشرفي، والبارودي نسبة إلى إيتاي البارود بلدة من مديرية البحيرة بمصر، كان أحد أجداده ملتزماً لها فنسب إليها على عادة تلك الأيام.

ولد المترجم لثلاث بقين من رجب سنة 1255ﻫ ـ 1839م، وبعد أن تلقى المبادئ التعليمية دخل المدارس الحربية في سنة 1267ﻫ، وخرج منها في أواخر عام 1854م، وكان في طبعه ميل غريزي إلى الآداب العربية وفنون الإنشاء والنظم، فاشتغل بها حتى بلغ درجة عالية في النظم والنثر، وفي شعره عناصر السلاسة والمتانة وحسن التخيل ولطف الأداءوبهجة الديباجة.

في الأستانة: ثم جنحت نفسه إلى تحصيل فنون الآداب التركية، فرحل إلى الأستانة وأقام هناككاتباً بنظارة الخارجية في الباب العالي، فأتقن اللغة التركية قراءة وكتابة، وله فيها من الأشعار والرسائل ما يعترف أدباء الترك ببلاغته، وتعلّم هناك أيضاً اللغة الفارسية.

ولما انتهت إمارة مصر إلى إسماعيل باشا، وسافر إلى الأستانة لأجل القيام بواجب الشكر للحضرة السلطانية على ولاية مصر؛ عاد بصاحب الترجمة في حاشيته، وكان ذلك في رمضان سنة 1279ﻫ، ورقي إلى رتبة البكباشي العسكرية.

رحلاته: سافر مع جماعة من ضباط الجيش المصري إلى فرنسا لمشاهدة التمرينات العسكرية التي تجري هناك كل عام، ثم سافر إلى لندن لاختبار الأعمال العسكرية، والآلات الحربية فيها، ثم عاد إلى مصر فارتقى إلى رتبة الآلاي الثالث من الفرسان، وبعدها ارتقى إلى رتبة أميرالاي، ولما خرج أهل الجزيرة كريد عن طاعة الدولة، وأرسلت الإمارة المصرية جيشاً لإسعاف الدولة على تأديبهم؛ أرسلت المترجم مع الجيش المصري بوظيفة رئيس المرافقين، وبعد إخماد نار الفتنة أنعم السلطان عبد العزيز عليه بالوسام العثماني من الدرجة الرابعة، وعاد إلى مصر فكان من مرافقي الخديوي.

ولما تولى توفيق باشا إمارة مصر؛ جعل صاحب الترجمة عضواً في مجلس الوزارة، وقلده نظارة الأوقاف المصرية، فأصلح خللها، ثم رقي إلى رتبة فريق.

الفتنة العرابية: وفي سنة 1880م، كانت واقعة تألب الضباط المصريين على وزير الحربية لأسباب أحفظتهم عليه، فأجتمعوا على طلب عزله من الوزارة، فأجيب طلبهم، وعيّن الخديوي صاحب الترجمة وزيراً للحربية جامعاً بينها وبين وزارة الأوقاف، ثم أحس الخديوي بسوء ظنه في المترجم واتهامه إياه بالاتفاق والاشتراك مع الضباط فيما كان يصدر عنهم من الأعمال المخالفة للنظام، فأعفاه الأمير من الخدمة، ولكن استعفاءه زاد الفتنة احتداماً.

نفيه: حكم عليه بالنفي إلى سيلان لاشتراكه بالثورة العرابية، فعفى عباس حلمي باشا عنه وقابله بعد عودته، وأعاد له جميع حقوقه المدنية مع شدة بغضه لغيره من زعماء الفتنة العرابية.

مواهبه: نشأ في المدرسة الحربية شاعراً ساحراً، وقد قال الشعر في شبابه، فكان في بدايته خيراً من جميع شعراء عصره في نهايتهم.

ديوانه: صح أن يلقب برب السيف والقلم، وفارس الميدان والبيان، وقد ألف وهو في سيلان ديواناً من الشعر في الأدب من مختار فحول الشعراء المولدين ليكون عوناً للناشئين على طبع ملكة البلاغة العربية في النفس، وتقوية سليقة الشعر في الخيال، فاختار دواوين ثلاثين شاعراً فقرأها ورتبها في سبعة أبواب: الأدب، المدح، الرثاء، الصفات، النسيب، الهجاء، الزهد والحكم، ورتب أسماء القراء على حسب أزمنتهم، لا حسب مكانتهم، ووضع تعليقاً لهذا الديوان العظيم يفسر فيه الألفاظ الغريبة والمعاني المغلقة، ومختارات البارودي هي في أربع أجزاء، وديوان شعره في جزأين.

كان أدبه النفسي أعلى من أدبه اللساني، وكان أشد وفاء له الأستاذ الإمام محمد عبده، فكان يراسله في منفاه، وكان شديد الولع بمطالعة مجلة المنار.

أما شعره؛ ففيه الأسلوب القديم والحديث مع ابتكار وإحساس فياض، اختار له أحسن أساليب العرب، وأفصح ألفاظهم، وتغنى بها على وحي نفسه، وكان في الطبقة الأولى بين شعراء العرب كما يدل على ذلك منظومه.

وكتب وهو في منفاه في جزيرة سيلان مع زعماء الثورة العرابية الشهيرة إلى الأمير شكيب أرسلان هذه القصيدة:

أشدت بذكري بادئاً ومعقبا

وأمسكت لم أهمس ولم أتكلم

وما ذاك ضنًّا بالوداد على امرئ

حباني به، لكن تهيَّبتُ مقدمي

فأما وقد حق الجزاء فلم أكن

لأنطق إلا بالثناء المنمنم

فكيف أذود الفضل عن مستقره

وأنكر ضوء الشمس بعد توسم

وأنت الذي نوهت باسمي ورشتني

بقول سرى عني قناع التوهم

لك السبق دوني في الفضيلة فاشتمل

بحلتها، فالفضل للمتقدم

ودونكها يا ابن الكرام حبيرة

من النظم سداها بمدح العلا فمي

فأجابه الأمير شكيب أرسلان بقوله:

لك الله من عان بشكر منمنم

لتقدير حق من علاك محتَّم

وشهم أبيّ النفس أضحى يرى يدا

تذكر فضل أو جميل لمنعم

رأى كرماً متى تذكر قوله

فدل على أعلى خلالاً وأكرم

ومن شعره في الافتخار قوله:

وإني امرؤ صعب الشكيمة بالغ

بنفسي شأواً ليس فيه نكير

وفيت بما ظن الكرام فراسة

بأمري ومثلي بالوفاء جدير

إذا صلت كف الدهر من غلوائه

وإن قلت غصت بالقلوب صدور

ملكت مقاليد الكلام وحكمة

لها كوكب فخم الضياء منير

وفاته: انتقل إلى رحمة ربه يوم الإثنين لخمس خلون من شهر شوال سنة 1322ﻫ و12 كانون الأول سنة 1904م، وصلى عليه الإمام محمد عبده.

*  *  *

 



([1])  (أ) (2/434 ـ 435).

الأعلام