محمود صبح
محمود صبح([1])
(1900 ـ 1941م)
مولده ونشأته: هو المرحوم محمود بن محمد بن محمد صبح، ولد في القاهرة سنة 1900م في منزل جده الإمام الأنصاري الزرقاني، وكف بصره وهو في الرابعة من عمره بسبب مرض، درس في المكاتب الأهلية، وحفظ القرآن الكريم وجوّده وهو في العاشرة من عمره، وبدأ ميله الموسيقي يظهر فكان ينشد أمام مواكب رؤيا رمضان التي كانت تسير في شوارع القاهرة في هذه المناسبات.
مواهبه: تعلم العزف على البيانو في منزل محمود باشا الفلكي، وهو من أصدقاء عائلته، ثم تعلم العزف على العود والناي فأجادهما، واختلط في المولوية التركية، وتعلم اللغة التركية، واستفاد من الفن التركي وتأثر بألحانها، وقد ساعده على النضوج الفني أنه لم يتخذ الفن كحرفة ينزل بها إلى المستوى الشعبي، وذلك أن والده كان من أثرياء تجار الخشب في مصر، ولما أحدثت المخططات الإذاعية الأهلية في القاهرة كان يحيي الحفلات الفنية دون لقاء تشجيعاً للفن، حتى إذا افتتحت دار الإذاعة الحكومية ضرب بسهم وافر فيها، وقد انتُدب لافتتاح محطة القدس وغنى ألحانه.
صوته: لقد أودع الله في رأس هذا الفنان الجبار كنزاً لا يفنى من الفن الأصيل المكين المبتكر، يتكون صوته من ديوانين ونصف، لا عيب فيه سوى الكمال والسحر بتموجاته، إذا صفا وغنى وأنشد أطرب وامتلك القلوب، وكان ذا طابع خاص في عزفه وغنائه وألحانه، وهو أقدر من لحن الموشحات، ويكفيه سموًّا وخلوداً أن أعظم مغنّ لا يستطيع مجاراته بواحد من موشحاته لتشعبها وكثرة أنغامها ودقة تركيبها، والسحر في أنامله الساحرات التي تسجد لها الموسيقى العربية، ويخضع لها الفن العالي الذي لا يخضع إلا لنوابغ الفنانين.
كان من رأيه أن يدرس الإنسان الفن ثم ينتج فنًّا خاصًّا يلائم بيئته بعيداً عن النقل والاقتباس.
موشحاته: لقد لحن موشحات كثيرة، منها: 1 ـ غَنَّت لطلعته البلابل، من نغمة العجم عشيران، وزنه سماعي ثقيل. 2 ـ لاح بدر التم، من نظم الشاعر الحمصي الشهير الشيخ أمين الجندي، وهو من نغمة الحجاز كار، وزنه سماعي ثقيل. 3 ـ أسكر الأغصان ففاق النسيم، من نغمة الحجاز كار كردي، وزنه أقصاق. 4 ـأيها الساقي إليك المشتكى، من نغمة راحة الأرواح، وزنه داور هندي. 5 ـ كحل الدجى يسري، من نغمة السيكاه، وزنه سماعي ثقيل. 6 ـ فاتن خمري عسكري الشعر، من نغمة سلطاني عراق، وزنه جرجنة. 7 ـ اللحظ قد أرسل، من نغمة الساذ كار، وزنه سماعي ثقيل. 8 ـ زينة الدنيا الحبيب، من مقام زويل، وزنه داور هندي. 9 ـ يا نديم الروح هات القدحا، من نظم الشاعر أحمد رامي، ونغمته نهوند، ووزنه زنكين سماعي. 10 ـ أنعش الروح واشف الوصبا، من مقام الزنكلاه، وزنه أقصاق، من نظم الأستاذ فؤاد نويرة. 11 ـ يا أهيل الحي من ذاك الحمى، من نظم أحمد رامي، وزنه أقصاق. 12 ـ أسقياتي من رحيق الحب عقلاً، من مقام الحجاز، وزنه أقصاق. 13 ـ يا ظبي خذ قلبي ولحني، من مقام المحير، وزنه سماعي ثقيل. 14 ـ رب قلب من غرام، من نظم الأستاذ محمد غالب المهندس، نغمته (شوقي حياة صبح) قريب من نغمة الحجاز كار، ووزنه زنكين سماعي. 15 ـ ليت من أهواه يدري، من مقام الحجاز كار، وزنه شنبر.
الأدوار: ولحن من الأدوار (البدر من نور جمالك) من مقام العجم عشيران، و(الحلو شفته وحبيته) من مقام الشوري، و(غرامك يا جميل فضاح) من الراست.
القطع الصامتة: لحن الكثير من السماعيات والبشارف وغيرها، وسجل في شركة أوديون، وفي سنة 1936م عقدت مسابقة كبرى للملحنين الموسيقيين في محطة الإذاعة، ونالت قطعة (يا طيور ما الذي هزك للشدو الجميل) من نظم أحمد رامي، وهي قطعة اسمها (ساعة الروض)، وأخذ الجائزة الأولى بتفوق، ولحن أوبرا عنترة للأستاذ جورج أبيض مشتركاً مع الأستاذ عيد، ولحن الكثير من الروايات العربية للإذاعة والأناشيد الوطنية.
أخلاقه وأطواره: كان طيب القلب لدرجة براءة الطفولة، سخي اليد، عصبي المزاج على كل من عاداه وناوأه، وقد تزوج مرتين، وأنجب ثلاثة أولاد، الأستاذ محمد صبح وهو يدرس اللغة الإنكليزية والتاريخ من قبل الحكومة المصرية في معهد العربي الإسلامي بدمشق، السيد عبد الفتاح وهو موظف في وزارة الحربية، وأنثى.
كان الفن قد ملك عليه مشاعره، يميل إلى العزلة ليلاً بعد أن يقضي سهراته في منزله بين غناء وسمر، ثم يستمر يداعب الموسيقى طوال الليل على الآلات الموسيقية، ويتناول طعام العشاء في الساعة الثالثة ليلاً وينام بعد الفجر كل ليلة، وكـان الشـاعر أحمـد رامـي والأستاذ عبد العزيز محمد وحفاظ القرآن المرحوم محمد رفعت والشعشاعي وغيرهم من أصدقائه، وممن درس عليه الفن ونبغ فيه الأستاذ عبد الحليم نويرة ومدحت.
كان رحمه الله خطيباً وناثراً بليغاً، سريع النكتة قوي الذاكرة، زاهداً في حياته، إذا غضب من الممكن أن تأسره بكلمة معروف، قصير القامة، أسمر اللون، يلبس الكسوة العربية تارة، وقد توفي وهو يرتدي اللباس الإفرنجي.
وفاته: أصيب رحمه الله بمرض السكر، وقد مرض بمنزله في القاهرة مدة خمسة عشر يوماً، وانتقل إلى عالم الخلود في صباح يوم الجمعة 25 نيسان سنة 1941م، ودفن بمقبرة أسرته في حي الغفير، وقد رثاه صديقه الشاعر أحمد رامي في حفلة تأبينه بهذه القصيدة المؤثرة:
خطرت لي ذكراكَ وهناً وقد كنتُ | وحيداً بين الأسى والشجون |
وبدا لي الحزينُ عودكَ مهجورا | دفينَ الشجى حبسَ الأنين |
فتذكرتُ كيف نسهرُ والليلُ | رويّ من الكرى والسكون |
ترسلُ اللحنَ في الفضاء وتصغي | لصداه يسرى بعيد الرنين |
وأنا سابحٌ تفيضُ بيَ الذكرى | وتنسابُ أدمعي من عيوني |
يا سميري والليلُ ساجٍ وللطير | رفيف من حولنا في الغصون |
أين نجواك في فم الناي تُفضي | بأحاديث سرّك المكنون |
باحثاً بالأنامل اللدنِ همًّا | ينكأ الجرحَ في الفؤاد الطعين |
ذاهباً في الخيال تترى مجاليه | على طرفك الكفيف الحزين |
هو قلبٌ جملته في حسناياك | رقيق الهوى لطيفَ الحنين |
وهي روحٌ تسلسلتْ في طواياك | وأقصتك عن حياة الفتون |
وهي نفسٌ أغنتك في هذه الدنيا | عن المال والمتاع الثمين |
لستَ تبغي من الوجود سوى ما | يدفع العمر في غمار السنين |
زورقاً سابحاً بغير شراع | سارَ مجدافه برفق ولين |
إيه يا صبح عطلَ الناي والعود | وغاضت مدامعي في شؤوني |
وخلت غرفتي من الضاحك الباكي | وأقوت من صاحبي وخديني |
زائري في الظلام والليلُ داج | وأنيسي عند الصباح المبين |
* * *