جاري التحميل

محيي الدين الجندي

الأعلام

محيي الدين الجندي([1])

الشاعر المتفنن الأستاذ محيي الدين الجندي الحمصي

(1880 ـ 1956م)

لا شك في أن للبيئة الثقافية والنشأة الوراثية في ظل النعمة والفضائل أعظم الأثر في التوجيه العلمي والخلقي، وإذا وهب الله الإنسان النجاية والذكاء الفطري انقادت لمواهبه معالم الحياة، وصاحب هذه الترجمة هو ابن الأكرمين من أسرة الجندي الحمصية، وأحد نجوم حمص السواطع في الشعر والفن.

ولد الأستاذ محيي الدين بن المرحوم حافظ بن عبد الرحمن الجندي العباسي في حمص سنة 1880 ميلادية، ودرس القرآن في المكاتب الأهلية، وفي سنة 1310 هجرية نال الشهادة الابتدائية من المدرسة الرشيدية الوحيدة في العهد التركي، وتلقى اللغة العربية والبيان والبديع على الأستاذ المرحوم الشيخ محمد المبارك الحمصي المشهور بـ(البني)، والعلوم الشرعية على الأستاذ المرحوم الشيخ أحمد صافي، وفي سنة 1910 ميلادية عين معلماً لتدريس اللغة العربية في مدرسة الاتحاد الوطني الأهلية، وحينما حولت إلى مدرسة تجهيزية رسمية في عام 1918م بقي أستاذاً فيها حتى انتهاء مدة خدمته، وقد تثقف على يديه طلاب كثيرون أفادوا المجتمع.

شعره: له ديوان شعر لم يطبع سوى مجموعة بديعة من الشعر الرصين في أسلوبه وقوافيه، ومن نظمه البديع تهنئة لابن عمه مؤلف هذا الكتاب بمولوده عمر، فقال مهنئاً ومؤرخاً بالتاريخ الميلادي:

بوليدك اهنأ يا عزيزي أدهم

واسلم لتشهد طيب عيش ورغد

وبه لقد أهدى مؤرخه الهنا

يا مرحباً بظهور شبل من أسد

وأردفها بقصيدة ضمنها التاريخ الهجري، ومطلعها:

يا حبذا مولود إسعاد أتى

زاكي المغارس طيب من طيب



ومنها:

أعني به عمر الذي ميلاده

أشراق بدر عن سعود معرب

هذا القريض سفير تاريخي إلى

بشراك في ميلاد أشرف كوكب

فنه: إن حب الفنون والصبابة وسماع الأصوات الشجية والألحان البديعة يدل على ذوق عشاقها، ولا غرابة أن هام المترجم بالفن وقد نشأ في مهده الوراثي، وهو أحد شعراء أسرة الجندي الذين ضربوا بسهم وافر في ميدان الفن، فنظموا الموشحات البديعة التي سارت بها الركبان، ومن موشحاته البديعة موشح من نغمة الحجاز كار وزنه (هزج):

روحينا يا نسيمات اللقا والقرب

من شذا الرند

واذكرينا ما بين وادي المنحنى والشعب

يا صبا نجد

في هواكم قلبي رهين يا أهيل البان

زائد الوجد

وفؤادي مدنف فيكم ولوع يعاني

لوعة البعد

ليت شعري متى اللقا بعيد ذاك الهجر

يا ذوي الرشد

حيث يشفى من لسعة البين عظيم الوزر

من عنا الصد

ثم تملي لنا سلاف من سنا التداني

من صفا الورد

في رياض نحتسي فيها ذرى الأماني

في علا السعد

ومن نظمه ولحنه البديع في الغزل موشح من نغمة الحسيني، وزنه مصمودي:

قامت تدير الأكؤسا



خود تردت سندسا

أو أطلسا

عذراء قلبي مستهام

في حبها بين الأنام

مذ صوبت تحوي السهام

شاهدت طرفاً ناعسا

يرمي قسا

من لحظها والحاجب

للقلب أقوى جاذب

وسهم لحظ صائب



قلب الشجي ذاب أسى

مما عسى

بنت المها أخت القمر

أهدت كؤوساً في السحر

حيت بلفظ كالدرر



صباً بها قد آنسا

ست النسا

أحواله الخاصة: كل حال يزول ولا يدوم صفاء الحياة في هذه الدنيا لمخلوق، فقد عكرت المصائب صفو حياته وشابتها الأكدار وجرعه الدهر كؤوس اللوعة مترعة بالأسى والوحشة بفقده أعز العناصر إليه، وهما شريكة حياته وابنته، وفاضت قريحة هذا الشاعر الملهم الذي هد الحزن قلبه الكليم، فقال يؤرخ تاريخ وفاة ابنته (هند):

قد توارى كوكب ضمن الثرى

وسطا الموت بسهم صائل

ولفرط الحزن ناديت أسى

حب هند أرخوه شاغلي

تخطى سن الشيخوخة وما زالت ذاكرته تزخر بالطوائف من أخبار العرب، يقضي أوقاته بمطالعة مؤلفات شعراء الصوفية ويحفظ قصائدهم، وقد سار على نسقهم في نظم موشحاته البديعة التي حفظها أهل الفن، ورث وجمع مكتبة حوت أنفس المجلدات من علمية وتاريخية وشرعية وأدبية، وتثقف في العلوم الشرعية على أبيه العلامة المرحوم حافظ بن عبد الرحمن الجندي مفتي حمص الأسبق.

أعقب أولاداً ذكوراً وإناثاً، وألمعهم القانوني الأستاذ نبيه الجندي، الذي دان النثر البليغ ليراعه.

وفاته: في يوم الخميس 21 جمادى الأولى سنة 1375ﻫ و5 كانون الثاني 1956م استأثرت المنية بالشاعر المتفنن الأستاذ محيي الدين بن المرحوم حافظ ابن عبد الرحمن الجندي، وقد نشرت ترجمته في الجزء الأول، الصحيفة (61)، وتوفي ولده البكر الأديب والمنشئ البليغ الأستاذ نبيه الجندي يوم الأربعاء 25 أيلول سنة 1957م، وألحد الثرى في مقبرة الأسرة، تغمدهما الله برحمته ورضوانه.

*  *  *

 



([1])  (أ) (1/61 ـ 62)، (2/136).

الأعلام