محيي الدين الخياط
محيي الدين الخياط([1])
الشيخ محيي الدين الخياط
(1875 ـ 1914م)
مولده: هو العالم اللغوي الكبير والكاتب العبقري الجليل، والشاعر المطبوع البليغ الشيخ محيي الدين بن أحمد بن السيد إبراهيم الخياط من جالية البلاد المغربية، ويتصل نسبه بالإمام الحسين.
ولد من أبوين أميين سنة 1875م، وقد أعسرت حالةأبيه بعد الإيسار، فباع كل أملاكه في صيدا وهاجر إلى بيروت للارتزاق، والفضل يرجع إلى أمه في أمر تعليمه، وكانت ألبانية الأصل.
نشأته: دخل الشيخ محيي الدين الخياط إلى مدارس جمعية المقاصد الخيرية في صيدا في السنة السادسة من عمره، فختم القرآن الكريم، وأتقن القراءة العربية والكتابة والإملاء، ثم اضطرته دواعي الزمن إلى الهجرة إلى بيروت، فوافاها سنة 1881م، ودخل في إحدى مدارس جمعية المقاصد الخيرية فظل فيها مدة خمس سنوات، ونظراً لنبوغه اختارته الجمعية معلماً في مدارسها وعمره 14 عاماً، ومن ثم شرع يعلم ويتعلم، يعلم في مدارس الجمعية، ويتعلم آداب اللغة العربية وعلومها وعلوم الدين عن العلامتين المرحومين الشيخ يوسف الأسير والشيخ إبراهيم الأحدب وغيرهما، فظل يتعلم خمس سنوات، وظل يعلم مدة 18 عاماً، تخرج فيها على يديه كثير من النشء الذين افتخر بهم الوطن، وعند تركه حرفة التعليم في مدارس جمعية المقاصد الخيرية؛ كلف أن يكون مفتشاً عامًّا لمدارسها.
شعره: نظم الشيخ محيي الدين الخياط الشعر وهو ابن 15 عاماً، ولم يكد يصل إلى سن العشرين حتى أصبح معدوداً في طليعة الشعراء الذين يشار إليهم بالبنان، ولم يكد يصل إلى الخامسة والعشرين حتى طار ذكره في البلاد، ومعظم قصائده نشرت في حينها في الصحف والمجلات، ومن غرر قصائده القصيدة الرائية الشهيرة التي مطلعها:
ذكرت بالفضاء ربعاً ودارا | فهي تأبى دون الفضاء دياراً |
والقصيدة الميمية التي مطلعها:
بكيت حتى هوى من أنملي القلم | وكدت أجري ويجري والدموع دم |
ومنها في خطاب الشرق البيت الشهير الذي جرى مجرى المثل حين إعلان الدستور، وهو:
فلا تفترق في الدين فالدين واحد | ويا شؤم شعب فرقته المذاهب |
وكل قصائده من الشعر الاجتماعي الراقي، وله في شعره طريقة مستقلة لم يقلد بها أحداً من الشعراء الأقدمين، وأسلوبه أقرب إلى الجزالة منه إلى الرقة، حسن السبك والمتانة والمنزع العربي، ومن روائع شعره قصيدته اللامية الشهيرة التي مطلعها:
إليك فما تغني القنا والقنابل | إذا لم يقم بالأمر كاف وكافل |
ومنها البيت الشهير:
وما صولجان الملك يدفع أكرة | إذا لعبت بالصولجان الأسافل |
وقد جاء في آخرها:
لقد صغتها والشعر يشهد أنني | هجرت قوافيه فهن قوافل |
وما تبتغي مني البلاغة إن أكن | بليغاً بعصر فيه باقل قائل |
دعوني وشأني والتظاهر لا أرى | فليس يعاب البدر والبدر آفل |
في ميدان الصحافة: وكان يكاتب بعض الصحف المصرية، ويحرر المقالات الافتتاحية في جريدة الإقبال 1902م، وانتقد مادة الهمزة من المنجد في اللغة للآباء اليسسوعيين، وقد عطلت الجريدة مرتين في الدور الحميدي.
وحرر أيضاً في خلال هذه المدة جريدة (بيروت) بضع سنوات، وساهم في تحرير جريدة الاتحاد العثماني عقب إعلان الدستور، ولما أرادت ولاية بيروت إصلاح جريدتها الرسمية وترقية إنشاء القسم العربي ونشر المقالات الاجتماعية فيها؛ دعت الأستاذ الخياط إلى القيام بتحرير القسم العربي.
مؤلفاته: على أن تحرير هذه الصحف في وقت واحد لم يمنع الأستاذ الخياط من خدمة وطنه في التأليف، فقد ألف كتباً نفيسة خدم بها الناشئة العربية خدمة كبرى حتى أصبح عليها المعول في معظم المدارس في البلاد العربية نظراً لسهولة أسلوبها وحسن طريقتها، والبعض منها قد ترجم إلى اللغة التركية وإلى اللغة الجاوية ككتاب دروس التاريخ الإسلامي:
1 ـ دروس التاريخ الإسلامي (خمسة أجزاء) 2 ـ دروس الصرف والنحو (جزءان) 3 ـ دروس الفقه (جزء واحد) 4 ـدروس القراءة العربية (أربعة أجزاء) 5 ـ تفسير الغريب من ديوان أبي تمام 6 ـ تعليق على شرح نهج البلاغة للشيخ محمد عبده 7 ـ تعريب رواية الوطن لنامق كمال 8 ـ تفسير الغريب من ديوان ابن المعتز.
لقد كانت حياته حياة جد وعمل مفعمة بالأعمال المفيدة.
صفاته: كان الأستاذ الخياط رزيناً حكيماً، فلم يسر مرة مع الفوضى القلمية التي تلظى أوارها في زمنه مراراً في هذا البلد، بل كان يؤثب مثيريها ويخشى عواقبها، وكان حريصاً على كل ما تخطه يده، فلا يرسل الكلمة قبل وزنها بمعيار الحكمة، أبي النفس، وكان كاتباً أديباً وشاعراً مجيداً، كما كان أستاذاً فاضلاً، وكان في كتابته وشعره في الرعيل الأول من فرسانها في وطنه، ولما يبلغ الأربعين من عمره، وكان يضاهي الشيخ إبراهيم اليازجي في ضبط اللغة وصحة العبارة، ولو أتيح له أن يعيش في بلاد حرة بعمل مستقل به لظهر من استعداده ما جعله من أشهر كتاب العصر المصلحين، في عهد كان يرجى من خدمته للغة ما هو أعظم من ذلك.
كان مؤرخاً ممتازاً، وكانت السلسلة التاريخية التدريسية كما وصفه الدكتور بشير القصار مدير الكلية العباسية خير ما وضعه من المؤلفات النافعة للثقافة.
هذا موجز من ترجمة حياة المترجم المعلم المرشد والعالم الفاضل، الذي كان إذا تكلم عن اللغة العربية حببها إلى المستعجمين، وإذا تحدث عن الإسلام حببه إلى قلوب غير المسلمين، ومذهبه في الحياة كما قال:
فلا نفترق بالدين فالدين واحد | ويا شؤم شعب فرقته المذاهب |
وفاته: أُصيب بحمى وهو في عنفوان قوته، فقضت في أسبوع واحد على حياته، وذلك في بيروت يوم 13 جمادى الأولى عام 1332ﻫ وآذار 1914م، واحتفلت بيروت بتشييع جنازته، وأقيمت له حفلة تأبين تحدث فيها كبار العلماء والشعراء والأدباء عن مآثره، وممن رثاه الشاعر الخالد المرحوم معروف الرصافي من قصيدة فريدة:
عليك العفا بيروت هل لك بعدما | ثوى فيك محيي الدين من متبصر |
فقد كان ركناً فيك للعلم والحجا | وغر القوافي والكلام المحبر |
فتى نابه صلت الجبين مهذبا | كريم سجايا النفس عف الموازر |
لقد عاش شيخاً في العلوم مقدما | فما ضره أن مات غير معمر |
* * *