محيي الدين الدرويش
محيي الدين الدرويش([1])
(1908م)
هو الشاعر الملهم الفذ، الذي تفتخر بمواهبه حمص وتعتز، الأستاذ محيي الدين بن أحمد بن مصطفى الدرويش، ينتمي والده إلى الأسرة (الدقاق) الحمصيةالمعروفة العريقة بالقدم، وقد كان والده مصطفى منتسباً إلى الطريقة المولوية، ولذلك أطلق عليه لقب (الدرويش)، وقد غلب عليها اللقب فعرفت به.
ولد الشاعر المترجم في حمص سنة 1908م، ونشأ في بيئة فضل وعلم، وتلقى علومه في مدارس حمص، وكانت آنذاك عبارة عن (كتاتيب) يتلقى فيها طالبوا العلم علوم القرآن المجيد، وقد ظهرت مخايل النجاية والذكاء عليه عندما أنهى دروس القرآن الكريم، ولم يكن عمره يزيد عن عشرة أعوام، وهذا ما ساعده على نضوج مواهبه وهو في فجر نبوغه.
مراحل حياته: دخل ميدان الصحافة، فكان من أبرز من كتب ونشر وعلق نشاطاً في هذا الحقل، فراسل جرائد الأيام والقبس وألف باء، وزودوها بمقالات رائعة في عهد كانت البلاد تفتقر إلى مثلها، وترأس تحرير جريدة (التوفيق)، ثم انتقل إلى تحرير جريدة الضحى، وبعدها عمل رئيساً لتحرير جريدة الفجر التي كانت تصدر للأدب، وكان فجراً منيراً ومنبراً حرًّا للفكر والأدب، وعندما نهجت الفجر طريق السياسة انسحبمنها، وأسهم في تحرير السوري الجديد، وقد دبج يراعة المرهف مقالات وفصولاً في اللغة والأدب والسياسة كان لها أبلغ الأثر، وتحدث عنها معظم النقاد بالإعجاب، وقد دلت على ما تحلى به من مواهب علمية وأدبية فذة، ومما يؤثر عنه أن سوريا لما خاضت معركة التحرر من نير الاستعمار الفرنسي؛ ألهب النفوس بمقالاته وقصائده الوطنية التي أقضت مضاجع المنتدبين، فتعرض لتهديد المقيم العسكري الفرنسي إذا لم يكف عن خطته، فكان جوابه قصيدته الشهيرة، منها قوله:
عتاة باريس ما فيكم أخو رشد | أتذكرون الذي أنزلتم فينا |
ونالت سورية الحرية الكاملة، فغنى الأستاذ الدرويش آنذاك:
الحمد لله قد تمت أمانينا | وأسفر الليل طلقاً في نوادينا |
وأشرق الصبح زهواً يوم قيل جلوا | كأنهم طلعوا فيها شياطين |
وحارب الدرويش مشروع سورية الكبرى بقلمه فأبدع، وتجاوبت أصداء الصحافة الداوية ومقالاته التي كانت كالصواعق، وندد بسياسة الشيشكلي بأسماء مستعارة دلت على جرأته ورجولته في عهد طغى فيه الظلم والتعسف.
مواهبه: لم يكن التعليم في حمص يقتصر على الشهادات، بل كان يعتمد على الكفاءات الشخصية، وبهذا الاعتبار اجتاز فحصاً مسلكيًّا بتفوق، فاختارته وزارة المعارف في عام 1932م مدرساً للأدب العربي في مدارس حمص التجهيزية، وما زال يؤدي رسالته الثقافية بمؤهلاته البارزة، ويبث في نفوس النشء الحديث حب القومية العربية.
لقد انهمك الدرويش الجبار في حل العويص من القرآن ومعجزاته، وله مؤلف في ذلك يعتبر من أغزر المؤلفات علماً ومعرفة، ونحن نأمل أن يتفرغ لنشره، ليطلع الناس على ما أبدعته قريحة هذا العالم اللغوي في مواضيع معجزة عزيزة على العرب والإسلام.
شعره: للدرويش وزنه وخطره في ميدان النقد بأسلوب انفرد به بالتحليل والنقد الأدبي، ورغم انهماكه في شؤون التعليم والتحرير في الصحف، فهو كثير الإنتاج، وقد ملك أعنة الأدب، فدانت له القوافي في شتى الأبواب، وهو صنو أبي نواس في مرحه وشغفه ببنت العنقود وأخواتها، هنّ داءه وهنّ دواءه، إلا أنه يختلف عنه في عفته ومروءته، ومن بديع قوله في وصف مرابع الميماس:
بنفسي عشيات لنا وأصائل | سواحر، يغرين النفوس، حوافل |
ومعهد أنس ينشر اللهو فيئه | له الحسن ثوب، والنعيم، غلائل |
أحن إلى تلك العشايا ويستبي | فؤادي جمال، أطلعته الأصائل |
بها تبرز اللذات فتانة الرؤى | فأنهب منها كل ما أنا آمل |
لذائذ فيها للحليم غواية | على أنها للهائمين حلائل |
وما أنا إلا هائم ذو صبابة | وهيهات يثنيني عن اللهو حائل |
* * *
ويا مربع الميماس أنت كعهدنا | رفيف الحواشي، ضاحك الوجه رافل |
تخايل فيك الحسن معنى ومنظرا | وتاهت على الأكوان منك خمائل |
عهدتك مغنى للصبابة والهوى | ألم تك للآرام فيك منازل؟ |
ألم تطلع الأقمار فيك سوافرا | عليها من الدل المشوق مخايل؟ |
ألم يستب القلب الخفوق مهفهف | وقد خنثت ألحاظه والشمايل؟ |
* * *
وحبب هاتيك المرابع أنها | مطارح لهو للشباب روافل |
نطيع دواعي الغي، وهي خاوية | ونقتنص اللذات، وهي موائل |
ومن روائع قوله في الغزل:
الورد في ناديك غض الجنى | يختال نشوان، فأين الشراب |
وطيرك الهيمان في كرمتي | ينشد ألحان الهوى والشباب |
والكأس في يمناك يا فاتني | قد رقصت فيها الأماني العذاب |
وقلبي الخفاق مستطرب | يكاد أن يطفر فوق الإهاب |
يهفو به الشوق إلى قبلة | حالمة تكفيه مر العذاب |
والليل، يقظان سريع الخطا | قد نشر البهجة فوق الشعاب |
أودع في جفنيك هذا الدجى | بقية من حلم مستطاب |
ويرى الشاعر الدرويش الدنيا تغمرها الوحشة واليأس بلا قصف وراح، فينشد اغتنام اللذات فيقول:
إنما الدنيا بلا قصف جمود | موحش يغمره يأس عميق |
فاغنم اللذات في هذا الوجود | فحياة المرء إيماض بروق |
غاية العلم، ضلال باطل | وجهالات بها نضطرب |
هل درى والموت فينا نازل | ما مصير الروح أنى تذهب |
يجتني الناس أفانين الهناء | وهو في عزلته مكتئب |
ما جنى من عيشة غير العناء | هو يشقى والليالي تلعب |
* * *