مسعود الكواكبي
مسعود الكواكبي([1])
(1864 ـ 1929م)
محله ونشأته: هو المرحوم محمد مسعود أبو السعود بن الشيخ أحمد بهائي، وشقيق المجاهد عبد الرحمن الكواكبي، ولد صاحب هذه الترجمة في الثلاثين من شعبان سنة 1281ﻫ وأيلول سنة 1864م، قرأ العلوم العربية والمنطق والفقه الحنفي على والده وعلى شيوخ عصره، وتعلم مبادئ التركية والرياضيات واللغة الفرنسية في المدرسة الرشدية بحلب، ثم استزاد من الفرنسية قراءة وكتابة على أساتذة مخصوصين، وأكب على المطالعة فأكمل اللغة التركية، وحصل من الفنون العصرية على حظ وافر، وتعلم الخط في المدرسة الشرقية، وبرع في أنواعه الثلاثة، وبالممارسة تعلم الخط الفارسي والديواني، ثم سمت نفسه إلى تعلم الخط العبراني والرومي والأرمني.
مراحل حياته: انتسب إلى خدمة الحكومة، وأشغل عدة وظائف، وفي سنة 1894م طلب إلى الأستانة، وهناك اقترح عليه إنشاء جريدة (استقامت)، وقد أمر السلطان عبد الحميد الثاني بإصدارها باللغتين العربية والتركية لتدافع عن سياسته الاستبدادية، فذهـب واجتهـد فـي التنصـل من هذا التكليف، وفي سنة 1901م عين عضواً في هيئة تدقيق المؤلفات في وزارة المعارف إلى أن ألغيت هذه الهيئة بإعلان الدستور العثماني.
في مجلس المبعوثين: وفي سنة 1908م صدر الأمر بافتتاح مجلس المبعوثين، وكان العلامة المترجم في مقدمة من توجهت إليه الأنظار لما اشتهر به من مقدرة وكفاءة واستقامة، فانتخب نائباً عن حلب، وكان من أعضاء الحزب الحر المعتدل، وعند إلغاء هذا الحزب وتأليف حزب الحرية والائتلاف كان من أعضائه، وهنا لابد من الإيضاح إظهاراً للحقيقة والتاريخ، فقد جاء في الكلمة التأبينية التي ألقاها المرحوم الشيخ راغب الطباخ في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق عن المترجم أن المرحوم مسعود الكواكبي كانت تنقصه الجرأة الأدبية في مجلس المبعوثين العثماني، ونحن لا نرى الشيخ راغب الطباخ مصيباً في ظنه هذا؛ لأن اعتقادنا نحن في الأستاذ الكواكبي أن الجرأة الأدبية مجسمة فيه، إنما اليأس الذي قد تغلب عليه مما كان يشاهده من أعمال الاتحاديين الفوضوية الهدامة، هذا اليأس الذي لم يدع له أملاً ولا رجاء في الإصلاح المنشود بعد الانقلاب الحميدي، وكيف يوصم بأن الجرأة الأدبية كانت تنقصه وهو الذي كان من مؤسسي حزب (الحرية والائتلاف) ضد حزب الاتحاد والترقي مع الداماد صالح باشا الذي أعدمه الاتحاديون بعد قتلهم ناظم باشا وزير الحربية بمؤامرة دبروها ليستولوا على دفة الحكم من جديد، وقد جنوا لإفلاتها من أيديهم إلى أركان حزب الائتلاف، وكيف يكون قليل الجرأة الأدبية من يتحمل مسؤولية (تقديرات) الجريدة الناطقة باسم حزب الائتلاف يومئذ، وكان رئيس تحريرها المبعوث لطفي فكري صاحب جرائد (تنظيمات) وسواها التي لا يكاد يصدر منها عدد حتى يغلقها الاتحاديون؛ لأنها كانت لسان حزب الائتلاف، تفضح أعمالهم، وتكشف عن نواياهم السيئة، وتفند أخطاءهم السياسية والمدنية.
لذا فنحن خدمة للحقيقة والتاريخ نقول ونعتقد بأن جرأة الأستاذ مسعود الكواكبي لا تقل وزناً عن جرأة شقيقه المجاهد المرحوم عبد الرحمن الكواكبي، والفرق بين الشقيقين هو أن عبد الرحمن كان موتوراً طريداً شريداً، يهاجم السياسة العثمانية بعنف وهو في مأمن من بطش السلطان، وشقيقه المترجم كان يهاجمها بجرأة أدبية وحكمة وعقل وهو في قبضة العناصر الهدامة التي تعددت اغتيالاتها السياسية كما معلوم، ونحن نروي هذه الحادثة التاريخية للدلالة على جرأته واعتزازه بقوميته العربية، فلما ثار المرحوم الملك حسين الهاشمي ضد الأتراك حضر جمال باشا السفاح إلى حلب، وجمع العلماء والأعيان وطلب إليهم التوقيع على مضبطة تتضمن الفتوى بخيانة الملك حسين وانشقاقه على الخليفة، والعمل على محاربته والقضاء عليه، وكان صاحب هذه الترجمة نقيباً للأشراف يتقدم العلماء والأعيان، فلما قرأت عليهم المضبطة قام وودع جمال باشا والوالي وخرج دون أن يوقع على المضبطة التي لم يتخلف أحد منهم عن توقيعها تفادياً من بطش جمال باشا.
عودته إلى حلب: وبعد أن قضى السنين الأربع وهي الدورة الأولى في المجلس عاد إلى حلب سنة 1912م، وعين نقيباً لأشراف حلب، وبقي فيها إلى غاية شباط سنة 1919م، وعرضت عليه رئاسة محكمة التمييز فلم يقبلها، ثم عين مديراً للأوقاف، فبقي فيها عشرين يوماً واستعفى منها، وبأثنائها انتخب إلى رئاسة نادي العرب، فبقي فيها ستة أشهر ثم تجرد عن كل عمل.
عضوية المجمع العلمي: وفي سنة 1923م انتخب عضواً في المجمع العلمي بدمشق، وكان يعهد إليه النظر في بعض الكتب المطبوعة التي ترد إلى المجمع، فينتقدها نقد خبير بصير مما يدل على تضلعه في اللغة والأدب.
وطنيته: كان رحمه الله نبراساً يقتدى في الوطنية، وهو أحد أركان النهضة العربية الوطنية الذي كان له الفضل بتوحيد سورية بعد تفريقها إلى دول، وكان الناس ينظرون إليه بعين الثقة والتجرد والإصلاح، فتولى الهيئة الإدارية لنقابة متولي الأوقاف، ولما تألفت حكومة الاتحاد عين كاتماً لأسرار الرئاسة، فبقي فيها إلى سنة 1922م.
في محكمة التمييز: ثم تقلد عضوية محكمة التمييز في دمشق، فقام بأعبائها أحسن قيام، واشتهر بالاستقامة وشرف النفس ودقة النظر وسرعة الخاطر وعلو الهمة، ولم يزل فيها إلى أن صرف عنها بانفضاض محكمة التمييز بأسرها، وذلك في 20 حزيران سنة 1929م، ثم عين قاضياً لحلب فأبى ولزم بيته.
شعره: كان نائراً وشاعراً مبدعاً، وقد جمع شعره في ديوان مخطوط، ومن شعره الغزلي قوله:
قسماً بأدعج مقلتيه وجفنه | هذا هو السحر الحلال بعينه |
هو ليس يدري ما الهوى وأنا الذي | قد زدت في شرح الهوى عن متنه |
إن كان غيري عاصراً خمر الهوى | فلقد سكرت بصرفه من دنه |
وله قصائد حكمية وصوفية، ومن بديع قوله:
نصحت فما أثرت في ذي تعنت | له أذن صمت عن النصح والزجر |
وما نافع مشيي إلى وجهة الهدى | إذا كنت في فلك إلى عكسها تجري |
ومن الطريف أن حافظ إبراهيم شاعر النيل كان كتب على شاهدة قبر شقيقه المرحوم عبد الرحمن الكواكبي لما توفي بمصر بيتين من شعره، وهما:
هنا رجل الدنيا هنا مهبط التقى | هنا خير مظلوم هنا خير كاتب |
قفوا واقرؤا أم الكتاب وسلموا | عليه فهذا القبر قبر الكواكبي |
وصدف أن زار شاعر النيل دمشق، واحتفل به المجمع العلمي العربي، فتلقاه المترجم وشكره ورد إليه التحية بأحسن منها في بيتين بليغين ارتجلهما:
رفعت ببيتين القواعد معجزاً | بأبلغ تأبين لأكبر كاتب |
كرفع السمي البيت قبلك عندما | رأى ما رآه من أفول الكواكب |
فعانقه وقبله شاكراً.
ومن آثاره تفسيره القرآن الحكيم، مكتوب بخط يده على هامش المصحف الشريف الذي كان يقرأ به، ونظم المولد الشريف، سماه: المولد المسعودي، وقد طبع في بيروت سنة 1917م.
وفاته وأخلاقه: ابتدأ به المرض بالتهاب أمعاء بسيط، ولم يدم أكثر من ثلاثة أيام وشفي منه، لكن نوبة دماغية أصابته على إثر التوعك والضعف الذي أصابه من أثر الالتهاب المعوي، لبث فيها مغمى عليه مدة أسبوع، ثم دعاء ربه إلى منازل الخلود ليلة الجمعة خامس عشر ربيع الثاني سنة 1348ﻫ و 19 أيلول سنة 1929م، ودفن حسب وصيته في أقرب تربة من البيت الذي يقطنه، وهي تربة نبي الله ذي الكفل في جبل قاسيون بصالحية دمشق.
كان رحمه الله مربوع القامة، حنطي اللون، نحيف الجسم، أسود العينين، محبًّا للنفع والخير، متحلياً بالتقوى والصلاح، وقد اقترن المترجم بالسيدة أمينة بنت الشيخ عبد القادر الجندي.
* * *