جاري التحميل

مصطفى العلواني

الأعلام

مصطفى العلواني([1])

المرحوم مصطفى العلواني

 (1696 ـ 1779م)

أصله ونشأته: هو مصطفى بن حسن بن أويس المعروف بالعلواني، وهذه الأسرة مشهورة بقدمها ووجاهتها بحماة، ولد في مدينة حماة 1686م، ونشأ في حجر والده، وقرأ عليه وبه تخرج في فنون العربية والأدب، أتى إلى دمشق يطلب العلم، فأخذ عن الشيخ عبد الغني النابلسي ولازمه في الدروس، وعن غيره من أعلام عصره.

مواهبه: كان شاعراً مجيداً وناثراً بليغاً وعالماً لوذعيًّا، ذا حظ متعثر في الحياة، وأبى الدهر إلا أن يمضي في قسوته، وهذا نصيب أكثر الأدباء في حياتهم، فقال يصف أحواله:

حملت من زمني ما لو تحمل من

أمثاله جبل لاندك تفتيتا

ولم أكن وشبابي الغض مقتبل

لحمل أصغر إحدى الذر صفتيتا

أخالني زمني شلت يداه لدى

شيبي ووهني قد حولت عفريتا

وإن مما به دهري يكافحني

ولم يزل سيف هذا الدهر أصلينا

داءين بعدك عن عيني أشدهما

ثانيهما السقم من داءيّ عوفيتا

رحلاته: قام برحلات متعددة إلى الأستانة، وعاد ببعضها متقلداً نقابة أشراف حماة، وقد اكتنفه الحساد في بلده فعكروا صفو حياته بالدس والوشايات عليه، فعزل من وظيفته، ثم عاد إلى استانبول لقضاء حاجته وبلوغ مرامه، فصبر على الوعود الخلابة، وكتب إلى بعض أصحابه يشكو من الوعود والتسويف، فقال:

مرارة اليأس أحلى في المروءة من

حلاوة الوعد إن يمزج بتسويف

فاختر فديتك للداعي أحبهما

إليك لا زلت تسدي كل معروف

عزلته: كان في السوداء متسماً، وقد أثرت في نفسه وشايات الحساد، فآثر العزلة والامتناع عن مخالطة الناس، وبعد أن أنهكت قواه الرحلات الشاقة، جعل آخر رحلاته في دمشق، وطابت له الإقامة في ربوعها فاستوطنها، وقال:

بانخفاض وغربة يرتقي الحرْ

رُ العلا راغماً لأنف الأعادي

إنما المرء من تغرب أضحى

عقد در يناط في الأجياد

وقد اشتهر فضله وأدبه بين الناس، ولقي من الحفاوة والتكريم والتقدير في ربوع الشام ما أنساه عهد الحساد في بلد حماة، ولزم في آخر أمره السكن في حجرة بمدرسة الوزير إسماعيل باشا الكائنة بسوق الخياطين تتردد الطلبة للقراءةعليه والأخذ عنه، وكان إلى جانب ما ابتلاه الله به من سوداء يحب الفن والسماع، ويتردد إلى مجالس الطرب الصوفية في حلقات أستاذه الأكبر الشيخ عبد الغني النابلسي ليرفه عن نفسه متاعب العزلة والحياة، ومن شعره الغزلي البديع في قوله:

هب النسيم فللصبوح فهاته

وأدره ممزوجاً بريق شفاته

سيال ياقوت حكى أو ذائبا

من خالص الإبريز في كاساته

يصفو عن الأكدار راشف كأسه

كصفائه عنها لدى حاناته

هات اسقنيه والهزار مردد

في الروضة الغنا فصيح لغاته

وأصخ إلى الناي الرخيم ممازجاً

للعود والسنطير في دقاته

في روضة عبث الصبا في غصنها الـ

ـممشوق منه القد في عذباته

قد كاد يحكي في الملاحة قدّ من

تهوى لو أن البدر من ثمراته

إن احمرار الورد فيها خجلة

من نرجس يرنو إلى وجناته

في خدمة العلم: اشتهر هذا العالم والشاعر والمنشىء البليغ في شرف النفس والإباء، فعهد إليه التدريس في مدرسة المحيا بدمشق، فدرس فيها إلى وفاته، وأفاد المجتمع بثقافته الكاملة، وقد كتب بخطه عدة كتب في قواعد خطية باهرة في جمالها وتناسقها تعتبر تحفة نادرة.

وفاته: وفي صباح يوم الثلاثاء السادس من شهر صفر سنة 1193ﻫ وشباط 1779م انتقل إلى رحمة ربه، ودفن بمقبرة الدحداح بدمشق.

*  *  *

 



([1])  (أ) (2/42 ـ 43).

الأعلام