جاري التحميل

مصطفى الغلاييني

الأعلام

           مصطفى الغلاييني([1])
الخطيب والشاعر والقاضي الشيخ مصطفى الغلاييني

هو علامة بيروت وشاعرها وخطيبها في عهد الدستور العثماني، وخطيب الجيش الرابع في الحرب العامة ـ وهي رتبة لم ينلها غيره ـ وأخيراً قاضي بيروت الممتاز، وقد رشح للإفتاء مراراً لمدينة بيروت.

هو شاعر كبير، وأديب علامة، وخطيب مصقع، نشأ نشأة دينية فكان يعظ في أهم مساجد بيروت، وكانت دروسه ومواعظه ينتظر سماعها الألوف وهو في حداثة سنه، ثم عين أستاذاً للغة العربية في المكتب السلطاني العربي، كما يدرس في الكلية الإسلامية وفي غيرها من المدارس، فكان أستاذاً لوذعيًّاأوتي من الذكاء ما ندر أن أن يؤتى بمثله.

مولده: ولد في بيروت عام 1306ﻫ، وتوفي عام 1370ﻫ، فيكون قد عاش 64 سنة.

تآليفه: ألف المترجم كتابه الإسلام روح المدنية، رد به على اللورد كرومر، ثم كتاب أريج الزهر، وسلسلة دروس النحو والصرف التي كانت ومازالت تدرس في معظم المدارس الراقية، وله أيضاً الثريا المضية في الدروس العروضية.

وأصدر عقب إعلان الدستور مجلته (النبراس) مدة عامين، فكانت نبراساً ضنّ الزمان بمثل نوره، ثم أوقفها إذ رأى المحيط لم ينضج لمثل هذه المشاريع.

مذهبه السياسي: كان رحمه الله وطنيًّا حرًّا مخلصاً لبلاده، دخل حزب الاتحاد والترقي إثر إعلان الدستور العثماني، ثم لما رأى غاية هذا الحزب تتريك العناصر العربية انسحب منه وانضم إلى حزب الائتلاف، ثم إلى حزب الإصلاح، ولما أعلنت الحرب العامة لزم الحياد إلى أن صار جنديًّا، فاختير ليكون خطيب الجيش كما قدمنا.

وبقي على عقيدته إلى عهد الانتداب، ذلك العهد البغيض الذي أرغمه على مغادرة البلاد، فقضى سنوات عدة في فلسطين ينتقل من بلد لآخر، وفي فلسطين طبع ديوانه، ولما صدر عفو عن السياسيين المبعدين عاد إلى وطنه، فعرضت عليه وظائف كبيرة رفضها كلها، وأخيراً عين قاضياً ممتازاً في مدينة بيروت، وبقي فيها إلى أن توفاه الله.

أخلاقه: كان رحمه الله كريم اليد، عف النفس، ورث عن أبيه ثروة لا بأس بها، أنفق معظمها قبل وفاته، وكان لين الجانب، رحب الصدر، خلوقاً متواضعاً، محبًّا للخير، سباقاً للمكرمات، صلباً في عقيدته وإيمانه، تزوج وأعقب ذرية نؤمل أن تكون خير خلف لخير سلف، توفاه الله إثر مرض عالج به شهوراً إلى أن وافاه الأجل المحتوم، رحمه الله رحمة واسعة، وعوض الأدب والعلم من يقتفي أثره وينسج على منواله.

*  *  *

633/م ـ الشيخ مصطفى الغلاييني([2])

(1885 ـ 1944م)

هو علامة بيروت وأديبها وشاعرها وخطيبها في عهد الدستور العثماني، وخطيب الجيش الرابع في الحرب العالمية الأولى ـ وهي رتبة لم يبلغها غيره ـ، واحد أعلام العرب البارزين.

مولده ونشأته:ولد في بيروت عام 1303ﻫ ـ 1885م، وتلقى علومه الابتدائية فيها على أعلام عصره الشيوخ محيي الدين الخياط، وعبد الباسط الفاخوري، وصالح الرافعي، وغيرهم رحمهم الله، ثم سافر إلى مصر فقرأ في الجامع الأزهر.

ولما أنهى دراسته عاد إلى بيروت ودرس في الجامع العمري، وكان أستاذ اللغة العربية في الكلية الإسلامية والمدرسة السلطانية سابقاً والكلية الشرعية وغيرها.

في خدمة الصحافة: أصدر عقب إعلان الدستور مجلة (النبراس) مدة عامين، فكانت نبراساً ضن الزمان بمثل نوره، ثم أوقفها إذ رأى المحيط لم ينضج لمثل هذه المشاريع.

مذهبه السياسي: كان وطنيًّا حرًّا مخلصاً لقوميته العربية، دخل حزب الاتحاد والترقي إثر إعلان الدستور العثماني، ولما رأى غاية هذا الحزب تتريك العناصر العربية انسحب منه وانضم إلى حزب الائتلاف، ثم إلى حزب الإصلاح، ولما أعلنت الحرب العالمية لزم الحياد، إلى أن صار جنديًّا، فاختير ليكون خطيب الجيش الرابع، وبقي على عقيدته إلى عهد الانتداب، ذلك العهد البغيض الذي أرغمه على مغادرة البلاد، فأتى دمشق في عهد الملك فيصل، وبقي مدة حكومته يتولى ديوان الرسائل في الأمن العام، فلما سقطت دمشق في أيدي الفرنسيين حجز في مركز الشرطة عشر ساعات، ثم خلي عنه وأوعز إليه أن يترك دمشق ويعود إلى بيروت، فلبث فيها بضعة أشهر، ولما أحس بالشر وضاق ذرعاً من بث العيون والأرصاد بمراقبته؛ ترك بيروت على حين غفلة، ولحق بسمو الأمير عبد الله بشرقي الأردن، وذلك في نيسان 1921م، وقد تولى فيها أعمال ديوان الرسائل في الأمن العام.

اعتقاله ونفيه: ورجع بعد سنة إلى بيروت ليأتي بأسرته إلى عمان، وصدف أن قامت مظاهرة فقبض عليه وسجن سبعة أشهر في سجني بيروت وقلعة أرواد، ولم يسئل خلال حبسه سؤالاً واحداً، ولما خرج من معتقله نفي عن دياره، فرجع إلى عمان وتولى فيها تأديب سمو الأمير طلال آنذاك، وبقي على ذلك ثلاثة عشر شهراً، ثم عاد إلى بيروت في 12 شباط سنة 1924م، فاعتقلته السلطات المنتدبة في سجنها العسكري في محطة رأس بيروت في حجرة ضيقة يستوي فيها الليل والنهار، فبقي فيها خمسة عشر يوماً، وهكذا شاءت الأقدار أن يعبث فيها المستعمر الغريب ويشرد طائفة من رجالها كل مشرد، وفي أول آذار سنة 1924م نفي إلى فلسطين، فاختار حيفا دار إقامته، وقد نظم فيها قصائد عدة.

عودته إلى وطنه: ولما استقرت الأوضاع السياسية في عهد الانتداب الفرنسي، وصدر العفو عن السياسيين المبعدين؛ عاد إلى بيروت، فانتخب سنة 1933مقاضياً لمدينة بيروت، ثم تولى استشارة محكمة الاستئناف الشرعية إلى أن توفاه الله.

مواهبه الأدبية: كان علامة وشاعراً عبقرياً وأديباً كبيراً، وخطيباً مصقعاً، نشأ على الدين والهدى، فكان يعظ في أهم مساجد بيروت، وينتظر سماعها الألوف وهو في حداثة سنه، وقد وهبه الله من الذكاء ما ندر أن يؤتى بمثله، لقد أولـع بالشـعر حدثـاً، فنظمه غلاماً قبل أن يدري ما النحو وما العروض، فكان لا يتكلف الشعر ولا ينظمه إلا لداع، فمتى هاج شعوره جادت قريحته في أي زمان ومكان، وقد اختار قبل الحرب العامة من نظمه ديواناً ينيف على ألفي بيت، غير أن يد الدهر أيام الحرب سطت على أوراق ديوانه فبعثرتها، وضاع ذلكالديوان، وفيه الكثير الطيب، وكثير منه منشور في المجلات والصحف الجوابة، وقد نظم في مطاوي الحرب العامة في بيروت ودمشق بعض القصائد في أغراض خاصة وعامة حفظ بعضها وضاع آخر، ونظم وهو في عمان بعد رحيله إليها جملة من القصائد الوطنية والحماسية.

ديوانه: ولما حبس في سجني بيروت وقلعة أرواد؛ كان الشعر يهتاج في نفسه أيام هذه المحنة، فنظم في هذين السجنين ديواناً سماه (شعري سجين)، وهو أحد أبواب ديوانه هذا، وكان النظم له سلوة عظيمة آنسته بعضَ ما كان فيه من غم وكرب، ولما نفي إلى حيفا رتب ديوانه على سبعة أبواب: في الأناشيد الوطنية والسياسة الوطنية، والحماسة، والفخر، والأدب، والحكمة، والغزل، والنسيب، وطبعه سنة 1925م في حيفا وهو مجلو عن بلده نائياً عن أهله وولده وأحبابه.

أما قصائده الوطنية؛ فقد أثار بها شعور الأمة الخامد، وشرح فيها الويلاتوالنوائب، وأنذرها عاقبة الخمول والسكون، وذكرها مآثر الأسلاف... وما الشعر إلا الوحي الصادق، وما الشاعر إلا رسول الحقائق، وهذه قصيدة عصماء بعنوان (النهوض) نقتطف منها بعض أبياتها:

الله يشهد والأملاك والأمم

أنا حماة العلا والصارم الخَذِمُ

سل البرية عن أدنى مكارمنا

تُنبئك عنها الظبى والبأس والكرم

فالمجد لا يرتضي إلا منازلنا

والحزم والشرف الوضاح والشيم

لنا نفوس أبت إلا العلا غرضا

فهل تصرفها عن عزمها الخُذُم

داءان للمرء، فليختر أخفهما

الموت، أو عيشهُ في الهون يهتضم

ومن يلاق المنايا وهو يمتنع

حميُّ أنف فذاك السيد العلم

الحنف، أو يبلغ الإنسان مأمله

خير وشر حياة عبس من يجم

ما قيمة المرء يحيا وهو مهتضم

تبًّا لعيش بموج الذل يلتطم

وله قصيدة بعنوان (السيف أنفع)، حيث يقول:

بكيت، وما يغني البكى والتوجع

وما ينفع الآسي الأسى والتفجعُ

وما الدمع إلا عبرة، ثم تنقضي

ويبقى الجوى في حبة القلب يلذعُ

لو الدمع يجدي باكياً لسقحته

إلى أن يحقَّ الحق والدم أدمع

وما عبرات العين إلا استكانة

إلى الضيم، أنفُ العز فيها مُجدع

ومنها:

بني العرب في أرض الشآم تيقظوا

فما هو إلا الموت، أو تتشجعوا

هجعتم وأسلتم إلى الدهر أمركم

فهان عليكم أن تهونوا وتخشعوا

رأيت الأبي الحر قر على الأذى

ونام على الضيم الهمام السميذع

وقد أغمض العرب الكرام على القذى

عيوناً بآلام التعبد تدمع

ومن نظمه البديع في الغزل بعنوان: الهوى القاسي، والشاعر يرى أن من يتغزل ولم يعشق فهو كاذب في غزله:

أخلقتني وعدها ذات اللمي

وطوت دوني رجاء الوصل طي

فأنا أشرق بالدمع أسى

سل غرامي والهوى، سل مقلتي

يا لها من غادة فتانة

دلها دلَّ الهوى القاسي علي

فأنا والحب يكوي مهجتي

أسدٌ قد صاده لحظ ظُبي

ومنها:

يا حياتي، برّح الصبرُ وقد

بلغت روحي، فمنّي، شفتي

رأفة بالصب يهفو قلبه

عند ذكرى الوصل أو خمر اللمي

أي شيء قد جفى نضو الهوى

فرماه الحب بالهجران أي

آثاره العلمية: لقد خلف للمكتبة العربية مؤلفات قيمة، وهي: 1 ـ الإسلام روح المدنية، رد به على اللورد كرومر 2 ـ أريج الزهر 3 ـ أسهل منال لتعليم الأطفال 4 ـ جامع دروس العربية 5 ـ الخلافة الهاشمية 6 ـالدروس العربية 7 ـ ديوان الغلاييني 8 ـرجال المعلقات العشر 9 ـ سلم الدروس العربية 10 ـ عظة الناشئين11 ـ كلمتان للغلاييني 12 ـ لباب الخيار في سيرة المختار 13 ـنخبة من الكلام النبوي 14 ـ نظرات في كتاب السفور والحجاب 15 ـنظرات في اللغة والأدب 16 ـ اللورد كرومر 17 ـ الثريا المغنية في الدروس العروضية 18 ـ القواعد العربية، وما زالت بعض مؤلفاته تدرس في معظم المدارس الراقية.

وله مؤلفات غير مطبوعة، منها: القانون الاجتماعي.

صفاته: كان رحمه الله كريم اليد، عف النفس، ورث عن أبيه ثروة لا بأس بها، أنفق معظمها قبل وفاته، وكان لين الجانب، رحب الصدر، خلوقاً متواضعاً، محبًّا للخير، سباقاً للمكرمات، صلباً في عقيدته وإيمانه، تزوج وأعقب ذرية كريمة.

وفاته: توفاه الله إثر مرض عالج به شهوراً، وذلك سنة 1944م.

وهكذا طوى الموت أمجد صفحة بوفاة هذا العلامة العربي، الفذ بمواهبه وعبقريته، فكان فقده شديد الوطأة على المجتمع الإسلامي، وتنفس المستعمرون الصعداء بوفاته، بعد أن رأوا فيه عدوًّا عنيداً لا تلين قناته، فكم خطبوا وده وتقربوا إليه، فكان كالطود الشامخ في عقيدته الوطنية الصلدة، لا يرهبه وعيد، ولا يغريه عرض.

ومن أبرز سجاياه أنه كان يحارب التعصب الديني بين الطوائف، وكان سلاح المستعمرين الإيقاع والتفرقة بين الطوائف، فكان إذا وقعت مناسبة لدى الطوائف المسيحية تقدم للخطابة، وهدم صروح الفساد والتفرقة، وأحل مكانها التقارب والوئام.

وسيبقى ذكر هذا الجهد خالداً مدى الدهر.

*  *  *

 



([1])  (أ) (1/387).

([2])  (أ) (2/392 ـ 394).

الأعلام