مصطفى بن الحاج محمد طمرق
مصطفى بن الحاج محمد طمرق([1])
الفنان الألمعي المشهور المرحوم مصطفى بن الحاج محمد طمرق
لقد درست أحوال وأطوار الفنانين، ووقفت على أسرارهم في حياتهم الخاصة والعامة، فكانت لدي معلومات صحيحة مجردة عن كل غاية وغلو، فمـن عباقـرة الفنانين مـن كان كريماً إلى حد الإفراط، فلم يدخر في حياته لنفسه ما يؤمن لشيخوخته رغد العيش، وفي طليعة هؤلاء المصير المؤلم الذي تعرض له الفنان العبقري المرحوم كامل الخلعي المصري تلميذ المرحوم أبي خليل القباني الدمشقي، فقد كان رحمه الله بعيداً عن حياة الترف وتعاطي الخمور والتدخين، إلا أنه كان متلافاً مبذراً، فجنى على نفسه بكرمه الحاتمي، وأبت عزة نفسه الاستجداء من بشر أو الاستخذاء لمخلوق، وآثر حمل صندوق (البويا)، فكان يطوف به شوارع القاهرة لمسح النعال ليسد رمقه بما يتقاضاه من أجور زهيدة، وقد تحدى الدهر العابس بوجهه، ورأى ذلك أشرف من أن يمد يده لذل (السؤال)، وله قصص واقعية كثيرة من هذا النوع المؤلم أمسكنا عن ذكرها؛ لأنها تسيل العبرات وتدمي القلوب، وقد لقي وجه ربه بحالة فقر مدقع وبؤس شديدمع مرض الفالج الذي أقعده عن العمل قسراً عنه رحمه الله.
ومن الفنانين من سلك الطريق المعوّج في الحياة، فلم يعتبر بمصير من سبقه من الفنانين، ولم يرعو فأدمى قلبه بسهام الفقر والعوز.
ولد المرحوم مصطفى بن الحاج محمد طمرق الحلبي في حلب سنة 1890م، وكان كريماً مبذراً مدمناً على المسكرات والمخدرات، فساق نفسه إلى الهلاك بيده، ولله في خلقه شؤون.
كان والد المترجم فناناً مشهوراً، فأخذ ولده عنه الفن، وتلقى عن الفنانين الحلبيين والمصريين المشهورين الموشحات والأدوار والقصائد والأوزان، فكان بقوة صوته وقدرته الفنية وبراعته في ضرب الإيقاع على الرق يعتبر من فطاحل الفنانين، سافر إلى ديار الشيخ خزعل في المحمرة وبقي عنده مدة طويلة جمع خلالها ثروة كبرى، وكان دستوره في الحياة (ولك الساعة التي أتت فيها)، فلم يدخر لشيخوخته ما يؤمن له عيشه بالكفاف، حتى أصبح بآخر حياته كناساً في الطرق، يعيش بما يتقاضاه من أجور، وقد قص علي المرحوم الفنان العبقري عمر البطش الحلبي حوادث مؤلمة عن هذا الفنان المشهور، وكيف كان يصارع الحياة، وقد عضّه الفقر وجرعه الدهر كؤوساً علقمية فيها عبرة لمن اعتبر، سنة 1938م وافاه الأجل، فقام بواجب تشييع جنازته المرحوم البطش.
كان رحمه الله أصلع الرأس، مربوع القامة، حنطي اللون، متزوج، وله أولاد، وقد دفن في حلب.
* * *