جاري التحميل

مطلق عبد الخالق

الأعلام

مطلق عبد الخالق([1])
الشاعر الصوفي اليائس المرحوم مطلق عبد الخالق

ولد الشاعر في مدينة الناصرة سنة 1909م، وتلقى دراسته العالية في معاهد وطنه، وهو من زمرة الشعراء البائسين الذين ضنّ عليهم الدهر بصفاء العيش ونعيمه، فقضى عهده قلقاً متشائماً وصوفيًّا زاهداً محروماً من نعيم الحياة الاجتماعية، كان رحمه الله شاذًّا في أطواره، ملّ معاشرة الناس وانطوى في غياهب العزلة، ثم قضى نحبه يائساً قانطاً وهو في ربيع صباه وقبل أن تتفتّح براعم ريحانته ويعبق شذاها في حياته.

كان شاعراً مبدعاً ولو مدّ الله في أجله لكان له شأن يذكر بين الشعراء، لقد جمع أخوه الأستاذ صبحي قصائده وطبعها في ديوان سماه (الرحيل)، ومن قوله في الزهد ما يدل على أنه كان يؤثر الموت على الحياة:

أوثر الموت إثرة لا تجارى

وأرى في الحياة داء ويبلا

أطلب الموت وهو ينفر مني

يا لتعسي، هل أطلب المستحيلا

وله قصائد كثيرة في الوطنية منها (شهداؤنا) و(فلسطين الشهيدة) وغيرهما، واستمع إلى قوله في تحية (الشهداء)، فقد فاضت قريحته بالتفجع والتأوه والدموع:

اسكب الدمع على أرماسهم

قطرات واذرف الدمع مضاء

صعد الزفرات لا تحبسها

هدأة النفس، وأطلقها بكاء

وابتعث منها شكاة وأسى

وأذب فيها حنيناً ونجاء

وهذه قصيدة في (الضحايا) يتجلى فيها جولاته الرائعة في ميدان الوطنية، ومن قوله:

ما هم أشقياء لكن شقي

كل من قال عنهم أشقياء

والشقي الشقي من يظلم النا

س فيشقى بظلمه الضعفاء

فقراء لا يطلبون ثراء

غير أن يلحدوا وهم شرفاء

ومن شعره الصوفي وقد بدا يتردد والتشاتم في قوله:

نحب ونكره في لحظة

ونشقى ونسعد في ثانيه

ونرتاب في الأمر حتى اليقين

ونوقن في الريبة الطامية

ونأمل واليأس مستحكم

ونيأس حين المنى راضيه

وقال في قصيدة عنوانها (لك في الخلود) وهي مهداة لكل جريح نكب في جسمه أثناء الثورات الفلسطينية، وقد جاد وأبدع:

والحر إن يسمع رنيـ

ـن القيد ثار على رنينه

أوما رأيت الليث معـ

ـتقلا يحن إلى عرينه

انظر إليه وقد تبدْ

دَى النور يسطع مكن جبينه

وانظر إلى دمه يسيـ

ـل من الجراح ومن جفونه

في لونه شفق الأصيـ

ـل وفيه سحر من فنونه

واعتره مرض فكان متوجعاً صابراً، فقال:

وكيف يقول الشعر من بات صدره

على قلبه والداء فيه دفين

أقضي طويل الليل وسنان ساهدا

تحاول إغماض العيون جفون

ويخمد هذا الصدر وهو جهنم

ويرقص هذا القلب وهو حزين

أرى الموت يدنو من فراشي فأنثني

أفكر في ماذا عساه يكون

أموت وفي أرضي على رسالة

إذا خفيت يوماً فكيف تبين

ألا أيها الموت الذي أنت ساخر

بضعفي، تأخر! في الفؤاد شؤون

وفاته: لقد فاجأه الموت على حين غرة، فكان حقًّا ظالماً له، فبينما كان متوجهاً في التاسع من شهر تشرين الثاني سنة 1937م إلى منزل الأستاذ وديع البستاني في حيفا لشؤون تتعلق بالمعتقلين في مخيم المزرعة، وقد أقلته سيارة يقودها السائق يوسف بيدس، تخطّى عند وصوله تجاه (الخضر) سكة الحديد، وكان قطار يافا متجهاً في منعطف هناك، فاصطدم بالسيارة وسحقها وتوفي الفقيد فوراً، وقد نقل جثمانه إلى مسقط رأسه في مدينة الناصرة، وألحد الثرى مأسوفاً على شبابه الغض.

*  *  *

 



([1])  (أ) (1/381 ـ 382).

الأعلام