جاري التحميل

معروف الرصافي

الأعلام

معروف الرصافي([1])

(1875 ـ 1945م)

أصله ومولده: هو شاعر العرب الأكبر المرحوم معروف بن عبد الغني، انحدر من أصل كردي من عشيرة (يرزنج)، وأمه هي المرحومة فطومة بنت جاسم بن الشيخ علي الشماع القرغولي.

ولد هذا الشاعر الوحيد لأمه في بغداد سنة 1875م في بيت يقع في محلة القراغول، ورثه عن جده لأمه الذي كان من تجار صناعة الشمع الوطني، كان والده شيخاً لمحلة القراغول، يحسن القراءة والكتابة العربية والتركية والكردية وتقيًّا ورعاً، فعني بتدريس ولده في الكتاتيب الأهلية، وبعدها دخل المدرسة الرشدية العسكرية، وفي سنتها الدراسية ترك المدرسة لعدم نجاحه في الفحص السنوي، ولما كان في الرابعة من عمره بترت إصبعه اليمنى (الشاهدة) من نصفها بسبب تسممها من إبرة الخياطة.

لقب الرصافي: تلقى العلوم العربية وغيرها في الحلقة العلمية للحبر الأعظم والعلامة الأشهر المرحوم محمود شكري الألوسي في جامع الخاتون الكائن بجانب الرصافي في بغداد بمحلة الحيدر خانه، ولازم الدراسة في حلقته زهاء اثنتي عشرة سنة، وبرز نبوغه بين أقرانه، فكان موضع عطف عشيرته عليه، وكان خاله المرحوم وهيب بن جاسم وابن خاله المرحوم الملا نصيف يؤمنان ما يحتاجه من نفقة لعجز والده وفقره.

وكان الرصافي حاتمي المشرب، فإذا رأى أحد رفاقه المعوزين في المدرسة بدون جبة خلع جبته وأعطاها إلى رفيقه الفقير، حتى إنه كان يعطي حذاءه وهو لا يملك غيره، فكانت عاطفته هذه موضع إعجاب أستاذه الألوسي، فلقبه (بالرصافي)، وكان الناس معجبين بمواظبته على الصلاة، يمشي في طريقه والعمامة على رأسه ونظره في الأرض لشدة ورعه وصلاحه، إلا أنه بعد بلوغه سن الرشد وانتخابه نائباً في مجلس المبعوثين التركي عن لواء المنتفق مع زميله المرحوم السيد عبد المحسن وذهابهما إلى الأستانة نزع الرصافي العمامة وانغمس في الشعر والسياسة وملذات الدنيا.

في التعليم: واختارته وزارة المعارف معلماً للتدريس في المدارس الابتدائية الرسمية في مدينة المنصور ليستعين في حياته المادية بما يتقاضى من الراتب الزهيد، ثم عيـن أسـتاذاً لتدريس آداب اللغـة العربيـة فـي المدرسـة الإعداديـة الرسمية في بغداد.

سفره إلى الأستانة: سافر الرصافي إلى الأستانة وبقي فيها بضعة أشهر شهد في خلالها واقعة 31 مارت الشهيرة، وذهب إلى سلانيك للنزهة، وبقي فيها شهراً.

ثم سافر إلى بيروت، وأحوجته نفقات السفر فابتاع محمد جمال صاحب المكتبة الأهلية مجموعة قصائده باسم ديوان الرصافي.

عودته إلى بغداد: عاد المرحوم الرصافي إلى بغداد، وبعد شهر وردته برقية من الأستانة بتعيينه مدرساً للغة العربية في المدرسة الملكية العالية، وقام بتحرير جريدة عربية باسم (سبيل الرشاد) نحو سنة، وطبعت محاضراته التي ألقاها في المدرسة في الأستانة بعنوان (نفح الطيب في الخطابة والخطيب).

في مجلس المبعوثين: انتخب نائباً عن المنتفق في مجلس المبعوثين حتى جاءت الحرب العالمية الأولى، وفي الأستانة تزوج امرأة تركية من أهالي قاضي كوي، ثم طلقها لرفضها المجيء معه إلى بغداد، ولم ينجب ولداً، وأتقن مدة إقامته فيها اللغة التركية، وكان ينظم القصائد الحماسية والاجتماعية، ويكشف بها سوءات الحكم، وسيف الاستبداد الحميدي مصلتاً فوق الرقاب، ويبعث بقصائده إلى مصر تطبع هناك وتنشر في الصحف والمجلات الكبيرة، وكان صادقاً في وطينته، قوي العزيمة، يكره المنافقين ويتحاشى الكاذبين.

في دمشق: ورجع الرصافي بعد الهدنة إلى الشام في عهد حكومتها العربية، وعانى فيه ألم الحاجة، فلم يكترث المرحوم الملك فيصل لأمره؛ لأن الرصافي كان إبان وجوده في الأستانة نظم قصيدة طعن بها بالمغفور له الملك حسين تقرباً من العثمانيين، ولما جاء إلى الشام حاول مقابلة الملك كأنه نسي هجاءه لسيد البيت الهاشمي، فلم يسعده الحظ، وأخيراً توسط رئيس الحكومة السورية رضا باشا الركابي فمنحه (50) ليرة عثمانية لتأمين نفقات عودته إلى العراق، فكان ذلك.

في القدس: ثم استدعي إلى القدس لتعليم الآداب العربية في دار المعلمين، وعاش في منصبه عيشة رضية.

عودته إلى العراق: ولما تألفت الحكومة الوطنية في العراق سنة 1921م عاد إلى بغداد، وبعد وساطات كثيرة قابل الملك فيصل الأول ورضي عنه، وعين نائباً لرئيس لجنة الترجمة والتعريب في وزارة المعارف، ثم عين نائباً في البرلمان العراقي بعهد الملك فيصل، فعاد إلى سيرته الأولى بالهجاء، ولما انتهت مدة البرلمان لم يعد انتخابه، فضاق ذرعاً في الحياة.

مؤلفاته: أصدر الجزء الأول من ديوان الرصافي، وقد لقي رواجاً عظيماً، والجزء الثاني من ديوانه، وله مجموعة من القصائد والمقطعات لم تنشر لما فيها من الحقائق التي يزلم القوم إعلانها، ورواية بعنوان (رؤية الرؤيا) ترجمها عن نامق بك كمال الشاعر التركي الشهير، و(دفع الهجنة في ارتضاع اللكنة) و(نفح الطبيب في الخطابة والخطيب)، و(الأناشيد المدرسية) وهي عبارة عن طائفة من الأناشيد الوطنية والأدبية، ومحاضرات في الأدب العربي (جزءان) و( كتاب الآلة والإدارة) و(دفع المراق في لغة العامة من أهل العراق)، وألف سيرة محمد، وهو يقع في (42) جزءاً، كل جزء بمئة صفحة.

شعره: كان مطبوعاً على الشعر من أول نشأته، قام يتغنى بشعره بالحرية جهاراً، وينشد القصائد الأبكار في الحفلات الكبرى، ويلقي الخطب الحسان في نهضة الأمة وحثها على التقدم والفلاح، واشتهر بشعره الإنساني والقومي الوطني، فكان من الشعراء المبرزين، وإن قصائده بعنوان المطلقة واليتيم في العيد وأم اليتيم، فيها روعة الإحساس والشفقة والحنان، أما شعره السياسي، فقد ترك في قصائده مآثر أدبية تنطق على متن الدهر، فيها شرر يتطاير وجمر يتلظى ورعد يقصف.

ومن قوله يخاطب أبناء وطنه ويستحثهم على النهوض:

نهوضاً نهوضاً أيها القوم للعلا

لتبنوا لكم بنيان مجد موطد

تقدمنا قوم فأبعد شوطهم

وقد كان عنا شوطهم غير مبعد

وكان شوكة دامية في قلوب الإنكليز إبان الاحتلال، وتعرض لسخطهم مما دعاء لمفارقة بغداد وهو عاتب على قومه، فقال:

عتبت على بغداد عتب مودع

أمضته فيها الحادثات قراعا

أضاعتني الأيام فيها ولو درت

لعز عليها أن أكون مضاعا

وله قصائد كثيرة فيها أبلغ معاني الفلسفة والحكمة، منها قوله في العصر الحميدي:

عحبت لقوم يخضعون لدولة

يسوسهم في الموبقات عميدها

وأعجب من ذا أنهم يرهبونها

وأموالها منهم ومنهم جنودها

أخلاقه: كان شديد العطف على الفقراء، طيب القلب رحيماً، إذا سمع عزاء في بيت بكى، ذا أنفة وكرم، ولما صار نائباً في البرلمان العراقي كان يدعو الناس إلى بيته، ولع ببنت العنقود، وهي قريحته الجبارة وإلهام روحه المتمردة، وقد أخطأ من اعتقد بأن الرصافي كان في أواخر حياته معوزاً محتاجاً للقوت بائساً، فقد أقال عثرته السيد حكمت سليمان رئيس الوزارة العراقية الأسبق وشقيقيه مراد وخالد، واكتنفه بعطفه الشيخ مظهر الشاوي الذي خصص له أربعين ديناراً في الشهر، وهو مبلغ يكفي لإعاشته برفه ورغد.

مرضه: كان مصاباً بمرض (الأكزيما) بسبب سوء التغذية التي تعرض لها في بعض مراحل حياته، واشتدت وطأتها عليه، فحمل إلى المستشفى الذي يعالج فيه الفقراء مجاناً، ثم عوفي واختار السكنى في بلدة الفلوجة حبًّابالعزلة وابتعاداً عن الناس.

وفاته: وفي يوم الجمعة السادس عشر من شهر آذار سنة 1945م دعاه ربه إلى منازل الخلود، وقام السيد حكمت سليمان وأخويه بتشييع جنازته وتشييد قبره، وفتحوا دارهم العامرة للعزاء وقراءة الفاتحة، وقد أوصى أن يدفن في أرض بكر لم تفلح من قبل، ودفن في المقبرة القائمة بالأعظمية في الشارع الخلفي للطريق الموصل إلى جسر الأعظمية بجوار صديقه الشاعر الخالد جميل صدقي الزهاوي، رحمهما الله.

*  *  *

 



([1])  (أ) (2/198 ـ 200).

الأعلام