جاري التحميل

ملك حفني ناصف (باحثة البادية)

الأعلام

ملك حفني ناصف (باحثة البادية)([1])

(1886 ـ 1918م)

مولدها ونشأتها: هي السيدة ملك بنت الأديب المؤلف المرحوم حفني بك ناصف، ولدت في القاهرة سنة 1886م، ودخلت المدرسة السنية الحكومية، وهي أول فتاة نالت منها الشهادة الابتدائية سنة 1900م في مصر، ثم نالت إجازة التدريس من القسم العالي الذي أنشأته الحكومة المصرية لتخريج المعلمات، ومارست التعليم في المدرسة التي تخرجت منها حتى سنة 1907م، وكان مبادئ التوفيق أن كان من أساتذتها الشيخ حسن منصور والشيخ أحمد إبراهيم، وهذان الأستاذان في الذروة العليا من دروس اللغة العربية، وكانت أكبر عامل في تحمس الآباء والأمهات لإرسال بناتهم إلى المدرسة، فقد كانت قدوة حسنة لهن، وخير معلمة امتازت بالذكاء النادر والجد والاجتهاد والتنزه عما ينتقد من عادات الفتيات.

باحثة البادية: هو لقب للأديبة صاحبة هذه الترجمة، اختارته لتوقيع ما كانت تنشره من مقالاتها وشعرها في الجرائد، كما يفعله كثير من المتنكرين في الشرق والغرب، وهي كبرى أولاد حفني بك ناصف، عني بتربيتها وتعليمها وهو في شرخ الشباب وزمن الجهاد في إصلاح التعليم وترقية الآداب، وقد تم لها بالتعليم ركنان من أركان العلم: الكتابة والتأليف الذي وجهت إليه عنايتها بعد وزاجها، واختبارها بنفسها شؤون الحياة الزوجية وتدبير المنزل، ولم ينقصها من الخبرة التي تؤهلها لمرتبة الإصلاح النسائي على وجه الكمال إلا الحرمان من صنعة الأمومة والقيام على تربية الأولاد.

زواجها: زوَّجها والدها برضاها في سنة 1908م من عبد الستار بك الباسل أحد زعماء العرب المصريين وشيوخهم، وهو سيد قبيلة الرّماح المقيمة بجوار الفيوم وشقيقه الأكبر حمد باشا الباسل، وقد امتاز هذان الأخوان في عربان الديار المصرية وغيرهم بالجمع بين فضائل البداوة ومحاسن الخضارة والتنزه عن رذائلهما، فمن الأولى: الوفاء والسخاء والنجدة والمروءة وقرى الضيف وإغاثة الملهوف، ومن الثانية: محبة العلم والأدب وأهلهما والاطلاع على شؤون الاجتماع والعمران، لذلك استغرب كثير من الناس رضاء (ملك ناصف) بقرين لها من شيوخ العرب، وإن كان بيته أرقى من بيت أبيها ثروة وأوسع معيشة، وقد وجدت الفقيدة من قصر زوجها الباسل أجمل منظر يتجلى فيه ذوق المرأة وعلمها بتدبير المنزل، ووجدت من عبد الستار بك الباسل أوفى زوج تهنأ معه الحياة الزوجية لأديبة مثلها يتساهمان بفضل المزايا المعنوية على المظاهر الصورية، ووجدت من حريته الأدبية ما مكنها من نشر أفكارها الإصلاحية، وكانت مثل الزوجة البارة بزوجها المحسنة لإدارة البيت بحيث تسوده السعادة والهناء، وكانت مع انصرافها إلى التأليف وحسن إدارتها لبيتها لا تهمل واجباتها نحو أقاربها وأقارب زوجها، وامتازت بأخلاقها السامية ونفسها الأبية وسريرتها الصافية ومثابرتها في العمل، واهتمت بإنهاض المرأة المصرية، وكانت معتدلة فيما تدعو إليه، تريد من المرأة أن تتقيد في نهضتها بأوامر الشرع الإسلامي، ورفع مستوى أخلاق الجنسين، وكانت تتحرى الصدق في كتاباتها.

آثارها: لها من الآثار الأدبية كتاب (النسائيات)، وهو أشهر كتبها، يتضمن مجموع ما خطبته وكتبته في الصحف في موضوع المرأة، وكانت تنوي إصدار كتاب في حقوق المرأة فلم تنجز منه إلا ثلاث مقالات، ولها رسالة طويلة في وسائل ترقية المرأة المصرية، وكانت تراسل الكاتبة الشهيرة الآنسة (مي).

وفاتها: لقد انتقلت من الفيوم إلى القاهرة وهي مصابة بالنزلة الوافدة لمواساة والدها في أثر انكشاف كارثة كانت سبب مرضه أو سبب شدته بما ضاعف النزلة، فكانت القاضية بوفاتها لعشر خلون من شهر محرم سنة 1337ﻫ وتشرين الأول سنة 1918م، وبعدها توفي والدها الأسيف وقد خسرت الأمة العربية بوفاتهما ركنين من أركان النهضة العربية للرجال والنساء معاً؛ كما يتضح ذلك لغير العارف بفضلهما من أهل الأقطار البعيدة.

وقد احتفل بتأبينها في اليوم الثاني من شهر ربيع الأول سنة 1337ﻫ، وتبارى الشعراء والخطباء بذكر مآثرها وأخلاقها وعبقريتها.

*  *  *

 



([1])  (أ) (2/531 ـ 532).

الأعلام