جاري التحميل

ممدوح الجلبي الحمصي

الأعلام

ممدوح الجلبي الحمصي([1])

عندليب العاصي الساحر بصوته وشدوه الأستاذ ممدوح الجلبي الحمصي

هو البلبل الفريد الذي برزت مواهبه الفنية منذ صغره، والعندليب الصداح الذي حباه الله صوتاً شجيًّا ساحراً، والمطرب المتفنن الذي أبت عليه مواهبه الفذة أن يتقيد بلون من الغناء، فأخذ يدخل في فنونه كل جديد تتوق النفوس إليه، هو المنشد المبدع الذي تتناثر أنفاسه عند شدوه كأنها مرت على ريح من الورد والياسمين والريحان، فامتزجت بها فعبق أريجها فعطر السامعين.

هو الهزار الذي ساعدته فطرته الفنية وقدرته على الارتجال وحسن التصرف وسلامة الذوق، فتجاوز بفنونه وعزفه على آلة العود حد الإبداع، هو الفنان الألمعي الذي سما نجمه وخضعت حنجرته السليمة المقامات، الصافية النبرات، المرنة اللينة في الغناء لوحي خياله، فأسر القلوب.

هو المطرب الشاب الذي يعجز القلم عن وصف روائع فنونه وشدوه السحري، وما تركه في النفوس من أثر.

هو المتفنن الذي تقمصت في روحه أصوات عبارة والشاويش ومنيا والملوحي والقصير وزين الدين والزيات وفنونهم، وشاء الدهر أن يخفف من القلوب لوعة الأسى والعزاء بفقدهم، فأنعم على حمص بالخلف المفضل.

ذلك هو الفنان السيد ممدوح بن المرحوم مصطفى بن خالد الجلبي الذي امتاز بأخلاقه الفاضلة ونبله، فأرسله الله رحمة وسلواناً لقلب عمه الكليم.

ولد المترجم في حمص 6 كانون الأول سنة 1915م وهو يعلم أن صوته وفنه يدخلون في التاريخ، فتفادى ما يؤذيه لتبقى حمص قريرة العين بعندليبها الغريد.

وفي سنة 1950م اقترن وأنجب ولدين مصطفى ومؤتمن.

دراسته وفنه: لقد تخرج من المدرسة الخيرية الحمصية، وتضلع بقواعد اللغة العربية وآدابها، وعندليبنا ثائر وشاعر، وقد نظم ولحن وصلات من الموشحات الأندلسية من مقامات شتى، درس علم النوطة وربط ألحانه بقواعدها، ومن نظمه البديع وتلحينه موشح أندلسي من مقام البيات، وزنه مدور عربي:

هاج بي الشعر فأطلقت العنان

ليراعي بنسيمات السحر

فحسبت الروح في أعلى مكان

قد شدا البلبل في ضوء القمر

يا لها ليلة أنس وصفاء

سكنت فيها جميع الفتن

غرد القمري فيها بالفضاء

فمحى عني صروف الزمن

فانعمي يا نفس فالكون أضاء

واغنمي يا روح وانفي حزني

إن في الكون سويعات حسان

فاغنميها واجلي أصداء الكدر

قد كفى يا نفس بؤساً وهوان

فارتقي الآن فقد طاب المقر

وقد اختارته وزارة المعارف لتدريس الفن الموسيقي في مدارسها الثانوية، وهو خير من يقوم بهذه المهمة الفنية لصالح المجتمع.

لقد اصطدم المترجم المتفنن بعقبات في مراحل حياته كان لها أبلغ الأثر في إحساسه وكرامته، فحدت من نشاطه الفني.

لقد سكت هذا البلبل وانطوى على شعوره وآلامه، وآثر العزلة، والمجتمع الذي يرى في مواهب هذا الفنان هبة من الله ورحمة لقلوبهم، يأمل أن تنقشع عنه هذه الغمة النفسية، فيعود للتغريد لينعم بسحر شدوه، ولو ترك عشاق فنه ما بين جريح ومستهام.

*  *  *

 



([1])  (أ) (1/90).

الأعلام