منير الخوري
منير الخوري([1])
(1917م)
مولده ونشأته:الشاعر المتألق الأستاذ منير، هو النجل الثالث للمرحوم الخوري عيسى أسعد العلامة والمؤرخ الفذ، وهو أشهر من أن يعرّف، ولد المترجم في حمص سنة 1917م، وتلقى دراسته الروحية في بيئة والده في مهد العلم والأدب والإنسانية والخلق الرصين، ونال شهادة الدروس الثانوية من الكلية الأرثوذكسية بحمص التي منها كثير ممن برزوا في العلوم والآداب، ثم أهلية التعليم الثانوية اللبنانية، وشهادة اختصاص في تنظيم المكتبات العامة في بيروت.
وكلمة حق لا بد من الإفصاح عنها: وهي أن الشاعر المترجم وأن لم ينل الشهادات العالية لموانع قاهرة، ألا أن دراساته الشخصية في مدرسة والده العلامة وعلى نفسه قد أكسبته من العلوم والاطلاع ما لم يتح لغيره لحصول عليه.
في خدمة العلم:وفي سنة 1947م أُسست في حمص دار الكتب الوطنية، فعين أميناً مساعداً لها، وبحسن تنظيمه وجده وذكائه أصبحت تلك الدار اليوم في طليعة دور الكتب الوطنية في سوريا، وهو الآن يدرس مادة التاريخ في الكلية الأرثوذكسية للذكور والإناث، وهذه الكلية التي رعاها والده العلامة بعنايته وتوجيهه، وكان من أكبر العاملين على تشييد هذا الصرح العلمي الكبير في حمص وازدهاره، فإن وهب المترجم فترة من أوقاته للاستفادة من مواهبه، فقد اقتدى بوالده وسار منهاجه في خدمة العلم والثقافة في بلد تقدر سجاياه الفاضلة.
مواهبه: تشعبت مواهب المترجم في ناحيتين: فهو مؤرخ مدقق، وشاعر مجيد وأديب المعي، نظم الشعر في مطلع شبابه، وأغلبه من الشعر الوطني، ثم انصرف عنه إلى الأدب والتعمق في التاريخ.
وقد أنجز مؤخراً تدوين وقائع الجزء الثاني من تاريخ حمص الذي بدأ بتأليفه العلامة والده، وأصبح رهن الطبع، وقد نشر مقالات أدبية وتاريخية في جرائد حمص: القافلة، والهوى، والفجر الحمصية، والسائح الأميريكية، وفي مجلات: السيدات والرجال، والإخاء، والراعي الصالح، والصخرة (المصرية)، والإيمان (الدمشقية)، وهو يحسن الخطابة والكتابة والحديث، كثير الأصدقاء، محبوب منهم.
مواقفه الوطنية: لقد ساهم مساهمة فعالة في النضال ضد المستعمرين الفرنسيين، وهو وطني متحمس، وعربي غساني متعصب لقوميته ووحدة بلاده العربية، وقد استعظم الفرنسيون أن يجاهر بعدائه لهم، فنال نصيبه من التنكيل والتعذيب والسجن إبان الإضراب العام في عام 1935م، وإذا علمنا أن والده كان ذا مكانة روحية وشعبية بارزة لدى السلطات المحلية والمنتدبة أدركنا درجة إحراجه لوالده في مواقفه الوطنية.
شعره: هو شاعر مبدع مقل، تتجلى في قوافيه نبالة القصد، وسمو المدارك، وكل من يقرأ قصيدته التي ضرب بها على وتر قومي حساس يُحيي فيه كريم عاطفته، وشعوره الوطني الفياض الجدير بالاقتداء.
ماضر لو دام فينا الوفق واتحدت | قلوبنا وتصافحنا يداً بيد |
ونحن إخوان سوريا لنا وطن | وهل أخ عن أخي ودّ بمبتعد |
والدين علَّم أن المرء منشؤه | من طينة كان صنع الواحد الأحد |
وكلنا ذاهب يوماً لمصرعه | ويخلد الذكر إذ يقضى على الجسد |
ومن بنى حجراً في صرح أمته | يبقى بتاريخها حيًّا إلى الأبد |
عيسى يحبّب بالأعدا وأحمدلا | يبغي سوى الخير لا يبغي على أحد |
واقرأ هذا البيت الذي يدل على منتهى الوطنية والتساهل، نجد أن في الأمة رجالاً يضحون حتى في معتقدهم الروحي، إذا كان يخالف المبادئ الوطنية، وحاشا للأديان السماوية أن يكون في طي تعاليمها خيانة الوطن، قال ابن عيسى وأبو عيسى لا فض فوه بغير اللثم والقبل:
لو كان يأمر ديني بالعداء لما | آمنت فيه ولو خالفت معتقدي |
وبالتعاضد برهنا بوحدتنا | بأننا أمة تحيا إلى الأبد |
لقد كانت هذه القصيدة العامرة عاملاً قويًّا في توثيق عرى المحبة والألفة بيني وبينه وبين الكثيرين الذين أشادوا بمكارم أخلاقه، وقد شجع الكثيرين للدعوة إلى الوطنية الحقة.
ويطيب لي أن أنوه بوجوب تشجيعه ومؤازرته ماديًّا لإخراج مؤلفاته التاريخية المفيدة، اقترن بالآنسة الأدبية حنينة نحاس المنشورة ترجمتها مع الشاعراتوالأديبات العربيات، وأنجب منها عيسى ومالك وإخلاص.
* * *