مهدي الجواهري
مهدي الجواهري([1])
(1903م)
هو الشاعر القومي الوطني الطائر الصيت المفلق الساحر في ابتكار القوافي، وهبه الله قريحة طيعة تساعده على إظهار مواهبه الأدبية من غير تصنع في فصاحة وطلاوة ومغاز متنوعة يصيب فيها الهدف بإحكام وإبداع.
هذا الشاعر العبقري، هو الابن الثاني للمرحوم الشيخ حسين الجواهري، ولد في النجف سنة 1903م، ونشأ بحجر والده وشقيقه عبد العزيز في مهد العلم والأدب، وتأثر في البيئة الفاضلة التي عاش فيها، وكان لها أبلغ الأثر في توجيهه إلى المثل العليا.
دراسته: درس على أعلام عصره في حلقات دراسية خاصة، وأخذ عن والده العالم والشاعر الشهير، وشقيقه الشاعر عبد العزيز صاحب المواهب الأدبية الكامنة، وهو يدين لشقيقه بفضل توجيهه لدراسة الأدب على أسسها المتينة، وبفضل تنمية ملكته الشعرية.
في البلاط الملكي: كان المغفور له الملك فيصل الأول يختار من الأسر العريقة العراقية بعض الشباب، وقد رشح (المترجم) ليكون في معيته، فبقي ثلاث سنين في دائرة التشريفات، وكان ينفر من الوظيفة، ويرغب في العمل الصحفي، فأصر على الاستقالة، وانفك من قيودها حرًّا طليقاً؛ ليصدر جريدة الفرات التي لعبت دوراً سياسيًّا وطنيًّا هامًّا، وكان حينذاك في التاسعة والعشرين، واشتغل في فترات متقطعة بتدريس الأدب العربي في مدارس الحكومة دامت ثلاث سنوات.
في الصحافة: وعاد فأصدر في سنة 1936م جريدة الرأي العام، فعطلتها الحكومة لعدم مسايرتها سياستها، ثم استأنف إصدارها حتى عام 1954م حيث عطلتها الحكومة للمرة الأخيرة.
في المجلس النيابي: وفي سنة 1947م انتخب نائباً في البرلمان العراقي عن لواء كربلاء، ثم استقال من النيابة إثر انتفاضة شباب العراق بشأن معاهدة بورتسموث.
شعره: هو شاعر فذ، ذو عبقرية ثائرة على جواذب البيئة، تجرع مرارة الأسى والحرمان في سبيل عقيدته ومبادئه، فقد ظهرت آثار الكبت النفساني على محياه، فعبّر عن شعوره وآماله وآلامه، فهو من الأحرار الصابرين، ويعرف كيف يخاطب الناس في شعره السياسي والوجداني في صيغة بليغة تأخذ سبيلها إلى أعماق الأفئدة.
أصدر خمسة دواوين شعرية، أولها: بين العاطفة والشعور، طبع سنة 1928م، والثاني: ديوان الجواهري طبع سنة 1935م، وثلاثة أجزاء متتالية باسـم ديـوان الجواهـري طبعت خلال سنة 1950م حتى سنة 1952م، وعنده ما يكوّن ثلاثة أجزاء من شعره لم تطبع بعد، وقد نظم في الغزل والرثاء والوصف والسياسة والاجتماع، غير أنه تبوأ مكانته الأدبية بقصائده السياسية التي عبرت تعبيراً صادقاً عن شاعر العرب في بقاع العربية.
يتمتع هذا الشاعر الثائر المتمرد بمكانة بارزة في الأقطار العربية، وقد دعي للحفلة التي أقيمت للشهيد العقيد عدنان المالكي في 27 نيسان 1956م بمناسبة مرور سنة على وفاته، فألقى قصيدة بليغة تطرق فيها لنواح سياسية تتعلق بحلف بغداد، وقد اعتبر لاجئاً سياسيًّا وآثر البقاء مع أسرته في سورية دون العودة إلى وطنه العراق.
ومن مزاياه أن سياسته وطنية قومية تصل إلى حد الإزعاج، والحق أن الشعر السياسي قد ارتفع على يده إلى قمة عالية أعادت إليه سابق مجده في مطلع هذا القرن.
ومن روائع شعره قصيدة بعنوان (الراعي):
لف العباءة واستقلا | بقطيعه عجلاً ومهلا |
وانصاع يسحب خلفه | ركباً يعرس حيث حلا |
أوفى بها صلًّا يزاحم في | الرمال السمر صلا |
يرمي بها جبلاً فتتبع | خطوه ويحط سهلا |
أبداً يقاسمها نصيباً | من شظيف العيش عدلا |
يصلى كما تصلى الهجير | ويستقي ثمداً وضحلا |
يومي فتفهم ما يريد | ويرتمي فتهب عجلى |
وتكاد تعرب بالثغاء | (هلا) و(حيهلا) و(هلا) |
يقفو بعين النسر ترقب | أجدلاً ذئباً أزلا |
ويحوط كالأسد اجتبى | أشباله.. جدياً وسخلا |
أوفى على روض الحياة | يجوبه حقلاً فحقلاً |
وارتد يحمل ما يصون | ذماً.. وما أغنى وقلا |
(ناياً) يذود به الونى | ويلون النسق المملا |
وعصاً يهش بها ويرقي | ذروة.. ويقيم ظلا |
* * *
يا راعي الأغنام: أنت | أعز مملكة وأعلى |
لله ملكك ما أدق | وما أرق.. وما أجلا |
يرويك من رشفاته | قمر السماء إذا أطلا |
ويقيك من وعث السرى | وهج المجرة أن تضلا |
وتلم في الأسحار | عنقود النجوم إذا تدلى |
أبداً تشيم الجو تعرف | عنده خصباً ومحلا |
وتكاد تغرف وابلاً | حذقاً.. وترشف منه طلا |
تزهى، بأن الأرض خضراء | زهت نبتاً وبقلاً |
وتود لو حنت الفصول | على الربيع فكن فصلاً |
ولو أن كل الناس مثلك | من غضارتها تملى |
أعطيت نفساً لمت الأجزاء | حتى صرن (كلا) |
وأسلت (بعداً) في غمار | الذكريات فعاد (قبلا) |
عريان من (عقد) النفوس | عضلن.. فاستعصين حلا |
لم ترع من شجر التكالب | وارفاً حقداً وغلا |
وجهلت مترفة الحياة | تذوبت كسلاً وذلًّا |
لم تخش بؤس غد يشوه | من جمال (اليوم) شكلا |
لا تعرف (الأشباح) رعناء | الخطى شوهاء خجلى |
أطيافك الزهر الندي | شذى وألواناً وظلا |
ومطارح (المعزى) تعاود | عندها وطناً وأهلا |
وكسرحك الراعي تعن | رواك.. معلمة وغفلا |
ترتاد (معجمة) الدنى | وتجوسها فصلاً ففصلا |
وتسامر النجوى تعب | بكأسها نهلاً وعلا |
وترى ملونة الطبيعة | إذ تغم.. وإذ تحلى |
غول الظلام إذا تعلى | وسنا الصباح إذا تجلى |
* * *