جاري التحميل

موسى الجلبي (الخطاط)

الأعلام

موسى الجلبي (الخطاط)([1])

الأستاذ موسى الجلبي الخطاط،
المصور والأثري والشاعر واللاهوتي والناسك

حياته ومولده: هو الأستاذ موسى أفندي الجلبي، من أصل تركي، لم نعرف مولده تماماً، لكنه عاش 84 عاماً، وتوفي عام 1943م، فيكون مولده عام 1859م، ولد في دمشق وعاش فيها، وسافر مراراً إلى الأستانة، ثم إلى أنقرة، وإلى معظم البلدان في سوريا ولبنان

تولع بالخط والتصوير منذ فتوته، كما تولع بالفن، فلم تحدث آلة من أوائل الطرب إلا اقتناها مهما غلا ثمنها، فكنت إذا دخلت داره بين البحرتين كأنك في معرض حوى مع الزهد والتقوى والفن كل غريب ونفيس، وإذا أردت أن تعرف صور رجال سورية في العهود الماضية وصور الآثار والحفلات التذكارية فهي عند موسى ومن صنع يديه، وعنده أكبر آلة تصوير في سوريا، وإذا أردت أن تستعرض الخطوط العربية والخطاطين وخطوطهم وتراجمهم فإنك تجدها بأكمل تفاصيل، وإلى جانب ذلك تجد عدداً من الحيوانات كالقطط والطيور والغزلان، وأكثرها من ذوات العاهات، جمعها موسى من الطرقات إشفاقاً عليها، وأخذ يبذل في مداواتها وإطعامها، وفوق ذلك فله جولة كل يوم حاملاً سلته وسطل الحساء ومفتشاً على كلب أعمى أو هرة جرباء، بل إن لبعض هذه الحيوانات وهي في ملاجئها قوتاً يوميًّا عنده لا بد من إيصاله إلى أصحابه بالذات، وتراه على جانب قوي من البساطة والزهد والتقشف والتواضع، وقد حفظ القرآن ومعظم الأحاديث ومالا يحصى من بليغ الشعر وفنون الأدب.

خطه وآثاره: قبيل الحرب العظمى وفي أثنائها كان في دمشق خطاط تركي يدعى (رسا أفندي)، فكان المولعون بالخط يترددون عليه ويقتبسون منه، وبينهم المترجم، فنبع في الخط، وأخذ يعلمه للطالبين، وعلم في مدارس رسمية وأهلية خيرية، وأخصها مدرسة جمعية الإسعاف الخيري، وكتب كثيراً من القطع التي تحوي الآيات والحكم والعظات بخط يده، وأرسلها هديات لتعلق في المساجد والنوادي، ووصل منها إلى مساجد بيروت، فأرسل إليه مفتيها رحمه الله قصيدة نظمها أحد الشعراء، وهذه بعض أبياتها:

قل لابن مقلة موسى لا نظير له

ولا يجاريه في الخط البديع أحد

ومنها:

ومبدع الخط لو عيناه قد نظرت

آيات صنعك أمضى حكمه بسند

وقال هذا إله الخط قاطبة

وطأطأ الرأس إجلالاً له وسجد

حياته العائلية: تزوج مرتين وأعقب أنثى، ولم يكن مسروراً بحياة الزوجية، فعاش لوحده ناسكاً بعد أن زوج ابنته، وكان أديباً لا يمل مجلسه، يحفظ من عيون الشعر ما يلذ لكل سامع، منبسط المحيا، مسرور الفؤاد، وأحياناً تراه عابساً يفكر في ملكوت السموات وأسرار هذا الكون وأعاجيبه، فيحدثك عن الجان والأشباح والأرواح كأنه يذكر لك وقائع واقعة يدلل بآثارها وأفعالها.

ثروته: لم يكن رحمه الله من ذوي الثروات، ولم يكن فقيراً، بل كان عنده مما ورثه ومما ادخره من أعماله ما لا يستهان به، وكان كريماً سموحاً مقتصداً، وكان يقتر على نفسه تصوفاً ولأجل البر بالغير، ولا يأبه لظواهر الأمور.

نهايته: على إثر نكبة فلسطين ولجوء قسم من سكانها إلى سوريا جاء المترجم شخصان يدعيان له القرابة، وطلباً منه المعونة، فأعطاهما أولاً وثانياً، لكنهما لم يكتفيا وألحا بالطلب وهدداه بالمحاكم، وفعلاً أقاما عليه دعوى لدى المحكمة الشرعية، فردت، ومنذ ذلك الحين صفى علاقاته مع الناس، ووزع ما كان من آلات وتحف، وذهب مع صهره بالطائرة إلى الحج فأدى الفريضة، وعاد إلى بيت ابنته لا يخرج منه إلا يوم الجمعة للصلاة، وتبرع بمعظم أملاكه إلى جمعية الإسعاف، ولاقى ربه خاشعاً فأدخله جنته مع عباده الصالحين الأبرار، رحمه الله رحمة واسعة.

*  *  *

 



([1])  (أ) (1/401 ـ 402).

الأعلام