جاري التحميل

موسى الحداد الحمصي

الأعلام

موسى الحداد الحمصي([1])

شاعر الوطنية الملهم الأستاذ موسى الحداد الحمصي

نشأته ودراسته: ولد بحمص سنة 1900م، وله قصة مؤثرة منذ أبصر نور الحياة، فقد أزمع والده وكان يائساً قانطاً من الحياة أن يقذف بالطفل في نهر العاصي، إلا أن العناية الإلهية تدخلت في اللحظة الأخيرة، فقد أبصره أحد المسلمين فأنقذه وأخذ منه الطفل ورباه مدة، ثم تدخلت الغيرة الطائفية فاسترد منه بعد أشهر، وشاءت الأقدارـ والحياة أحلام ـ أن يكبر الطفل ويصبح شاعراً فحلاً، ذا مكانة اجتماعية بارزة، وأن يلتقي بوالده في مدينة سان باولو بعد فراق طويل، وكان اللقاء مؤثراً، واعتقد أن كل شيء تناساه والده إلا ندمه على قسوة قلبه، فتلك لا تنسى.

تلقى دروسه الابتدائية في المدارس الأرثوذكسية، وانتقل منها عام 1915م إلى الكلية الإنجيلية، ثم حالت الحرب العالمية الأولى دون نيله الشهادة الاستعدادية، فلزم البيت وانكب على المطالعة، وما وضعت الحرب أوزارها حتى كان مختزناً في صدره بحـراً فياضـاً مـن منتوجـات أشـهر الشـعراء والأدبـاء مـن متقدمين ومعاصرين.

خلق وخلقت معه سليقته الشعرية، فقد نظم الشعر العامي وهو في الحادية عشرة، وفي الرابعة عشرة أهمله وتحول إلى نظم الشعر الفصيح.

وقد أنشأ مع بعض رفاق له في عام 1918م منهم الشاعران ميشيل المغربي ووجيه الخوري جمعية الناشئة الأدبية، كانت تعنى بالتمثيل والحفلات الخطابية، وكان له عدة مواقف فيها.

هجرته: وفي السادس عشر من شهر آذار سنة 1920م غادر حمص ـ وفي النفس ما فيها من آلام وشجون ـ إلى الديار الأمريكية قاصداً مدينة سان باولو البرازيل، وهناك تعاطى التجارة؛ لأن الأديب أو الشاعر لا يمكنه أن يعيش في تلك البيئة من قلمه، وإذا عاش فبشق النفس... إنما غريزته الشعرية لم تمت، بل لم تنم، فقد كانت تجيش في خاطره بين آونة وأخرى، فيرسل الشعر مندفعاً بحوافز محيطه وبالمؤثرات الاجتماعية والوطنية، وبما يخالج القلب من عوامل الحياة.

وله عشرات المواقف في حفلات الجالية في أغلب مجلاتها وجرائدها، وقد تناقلت بعضها أكثر صحف المهجر والوطن.

شعره: شاعر خصيب في وحيه وإلهامه، فياض القريحة، في طيات قوافيه شعور يسمو به إلى عالم الأرواح، فيه معنى الحياة، فإذا أنشد شعره استلب الألباب بسحر إلقائه وبلاغة ديباجته المشرقة، وإذا كان شعر الشاعر مرآة لعقله وقلبه، وصورة لمبادئه وإحساسه؛ فهنا نورد فيما يلي نماذج من شعره نظمها في ظروف مختلفة وفي موضوعات متنوعة.

ومن شعره الوطني قصيدة عنوانها (فجر الاستقلال)، نظمها عام 1936م، وألقاها في النادي الحمصي، ومطلعها:

سائلي السيف يوم جد الكفاح

كيف كانت تلك النفوس تباح

إنما للسيف يا سعاد بياتا

عرفته إلى النفوس الجراح

ومنها:

سائلي حومة الجهاد فتنبي

عن فتى المجد كيف طاح وطاحوا

يوم سارت جنازة الحق فيها

والأسى فاض والعيون سجاح

ميسلون عروسة المجد في أحضا

نها ترقد الوجوه الصباح

ومن نظمه البليغ قصيدة ألقاها في إحدى حفلات النادي الحمصي إثر اجتياح الحبشة سنة 1935م، ومطلعها:

روض الدهر وكن حرباً عوانا

أنت لم تخلق لكي تحيا جبانا

إنما الحرب إذا رام العلى

سخر الأقدار واقتاد الزمانا

ومن شعره الاجتماعي قوله في قصيدة عنوانها (تجربة)، مطلعها:

لبست ثوب الغنى حيناً فأنكره

روحي على جسدي نكران مختبر

وقال لي ليس هذا غير تجربة

من الزمان فكن منها على حذر

للمال أهل ترى فيه العناء هنا

والذل عزًّا وكل العيش في البدر

وللثراء أناس أنت تعرفهم

وكيف عنهم تعامت مقلة القدر

ومن قوله في الغزل البديع بعنوان (القبلة الحيرى):

طويت برد شبابي في هواك ولم

أفز بغير خيالات وأوهام

وفاز غيري بما قد كنت آمله

فراح مقتطفاً أزهار أحلامي

وأسرف القدر القاسي فروعني

برؤية حنظلت روحي وأيامي

أبصرت قبلتك الحيرى على فمه

أواه منها ومن عيني وآلامي

كانت على شفتيه العطر منسكبا

وفي فؤادي شوك الغيرة الدامي

ورثى فقيد الأدب والفن العبقري المرحوم داود قسطنطين الخوري بخريدة عصماء عنوانها (دمعة على أستاذ الشعراء وشاعر الأساتذة)، منها قوله:

قضيت فحق الأسى والبكاء

وغيبت عنا فعز العزاء

وخطب كخطبك في موطن

يعلم مثلي كيف الرثاء

تسيل القوافي على طرسه

دموعاً تسجل صدق الوفاء

تفجرها مقلة لليرا

ع وما لليراع سوى الحزن داء

ومن جملة قصائده التي تناقلتها المجلات والجرائد في سورية والمهاجر: اليتيم، بنت هوى، عروس الأمواج، مأساة الوطن في نكبة فلسطين: وهي ملحمة كبرى نشرتها مجلة الشرق، من هوى العبد: ألقيت ونشرت بمناسبة عيد تحرير العبيد، وغيرها أخر، وفي كلها يتحسس القارئ روح العزة والإباء والوطنية والحب ورقة العاطفة.

يمتاز هذا الشاعر بشمائل فاضلة، ونفس أبية، وشعور نبيل.

*  *  *

 



([1])  (أ) (1/114 ـ 115).

الأعلام