جاري التحميل

موسى كريم العربي

الأعلام

موسى كريم العربي([1])

المؤلف العبقري وأديب الصحافة اللوذعي الأستاذ موسى كريم العربي

لا مشاحة في أن تخليد النوابغ من رجال العلم والأدب الذين رفعوا شأن العروبة بمواهبهم ومآثرهم يثير في النفوس عاطفة الإعجاب والفخر، وهم جديرون بالاقتداء بسجاياهم والاحتذاء بمآثرهم، وتكريمهم أمر واجب؛ لما جادت قرائحهم به من روائع الأدب والتأليف، تشهد بفضائلهم وآثارهم خدماتهم الجلّى للثقافة والمجتمع، وصاحب هذه الترجمة الأستاذ الكبير موسى كريم، وهو أحد أعلام الأدب والصحافة، وفارس الميدان في النهضات الفكرية والثقافية والوطنية والسياسية، وحق للعروبة أن تعتز بمواهبه ووطنيته الأصيلة.

أصله ونشأته: ولد هذا الأديب اللوذعي والمؤلف النابغة في مدينة سان سيمون في البرازيل عام 1896م من أبوين سوريين من يبرود، وهما ميخائيل بن موسى كريم ومريم بنت جبلي رحمهما الله، وتتجلى عواطف والديه بأجلى مظاهر العقيدة الوطنية والتعصب للقومية العربية إذا علم القراء أنهما عادا به طفلاً يافعاً إلى سوريا بقصد تدريسه اللغتين العربية والفرنسية، ثم رجعا به وهو لم يتجاوز عامه الرابع عشر بعد أن تمكن هذا الطفل من لغة أجداده الغسانية، وتغذى بهواء وماء يبرود السحري، فنمى نبوغه المنتظر.

دراسته العالية: ودخل جامعة الطب في سان باولو وظل فيها عامين، وكان في الوقت ذاته يعلم أحداث السوريين، وقد أسس مدرسة أولى، ومن تلامذته الفريد وفرحات السوري الأصل والنائب البرازيلي، والسيد بهيج خماسية، وغيرهما من أبناء النزالة العربية، ثم أطاع نزعات نفسه فترك دراسة الطب واتجه إلى هدف أسمى.

في ميدان الأدب والصحافة: وشاءت الأقدار وهي مطية المواهب والموهوبين نحو الخلود أن يزاول الأدب والصحافة، فساهم في تحرير جرائد عربية كثيرة، فأنشأ عام 1922م جريدة (الروندا)، واستمر فيها ثلاث سنوات، وفي عام 1927م قام برحلة إلى سوريا، وألقى محاضرات من الطراز الأرفع، وفي سنة 1928م أصدر مجلة الشرق الغراء، وهي أكبر مجلة عربية مصورة، وفي عام 1930م انتخبه المجمع العلمي السان باولي عضواً فيه تقديراً لنبوغه وما أخرجه من مؤلفات خالدة.

الوطنية المثلى: ولمع نجمه في ميدان الصحافة والأدب والتأليف، وأدى إلى بلاده ووطنه التي ورث حبها وتقديسها عن والديه خدمات جليلة، فقدرت الحكومة السورية مواهبه الفذة، فأنعمت عليه في عام 1938م بوسام الاستحقاقالسوري، فكان الوسام الأول السيكر إلى المغتربين.

مؤلفاته ومآثره الخالدة: لقد أسعدني الحظ فتشرفت بالتعرف على هذا الأديب المتفوق خلال رحلتي إلى البرازيل، فكنت معجباً بصفاء ألمعيته، مفتوناً بروح وطنيته التي تجاوز بسموها حد الإخلاص في حدود العقيدة، لا في حدود الغاية، وكنت موضع رعايته وحفاوته ومؤازرته، ولا أبالغ في القول بأن موسى كريم هو أكبر أديب عربي له الفضل بنقل الأدب العربي إلى اللغة البرتغالية بأسلوبهوبيانه الرائع، وعرّف المحيط الأميريكي الواسع عظمة الأدب العربي وآثار العروبة، ومما نقله: خلفاء بغداد، تأثيرات سياحة، الشرق والبرازيل، حدث في دمشق، العبقرية السورية، قصائد حران، مذكرات الأمير أمين أرسلان، لمحة عن جهاد الأمير أرسلان، رحلة الريحاني إلى البلاد العربية، شعراء وحلفاء، فنال الجائزة الأولى.

ويضع الآن كتباً جديدة، وهي: أساطير سوريا؛ سوريا ولبنان وفلسطين، ستصدر قريباً إلى عالم الأدب والتأليف.

دعوته لزيارة الوطن: لقد كان لتآليفه ومحاضراته والمواضيع الوطنية والأدبية التي يعالجها بقلمه الحكيم الرصين أبلغ الأثر في البلاد العربية والمهاجر، فدعته الحكومة السورية في عام 1951م لزيارة وطنه الأصلي، واستقبله ضيفاً مكرماً، واحتفلت بوفادته وتكريمه حكومة وشعباً.

أوصافه: ليس من السهل وصف هذا العبقري وأحاسيس روحه، فعبقريته متشبعة لا يحدّها حد، ويراعه كالمهند تقطر منه دماء الرهبة والحكمة العربية الصادقة، وفي قريحته الفياضة جبروت من ذكاء لمّاح يتّقد من معين ثري لا ينضب، انبثقت عن فضائله دعوة العروبة إلى القومية والمجد واليقظة، كريم النفس عزيزها، يعـرف أقـدار الرجـال ويتغاضى كالليث عن أشباههم، سموح وقور، لا أنانية في نفسه ولا غرور، لسانه وقلبه ويراعة مرآة روحه وإحساسه، سيد كريم في معشره الأنيس، إذا تحدث جمع فأوعى وسحر السامعين بأفانين طرائفه، والويل لمن يبتلى بمساجلته وزاغ عن طريق الهدى، ففي قلمه ولسانه عناصر الهداية أو الاستسلام للقضاء المحتوم.

يعتز بمسقط رأس أجداده يبرود الواقعة ما بين دمشق وحمص، وقد اشتهرت بعذوبة مائها وعليل هوائها، وتعتز يبرود بحفيدها البار النجيب، وأرى في هذا الاعتزاز إقليمية ضيقة؛ لأنه أكبر من أن يكون لبلدة من بلدان سورية دون الأخرى، فهو موهبة خصّ الله بها جميع القطر السوري، فليس ليبرود أن تدعيه وحدها ولو كان آباؤه منها مولداً وأصلاً.

والذي لاحظته في معشره أنه كالنسر في ربوع الأنس، إذا تعكر صفوه استنسر وحلق وخفق بجناحيه للانقضاض والفتك، وكالهزار الغرّيد أنساً وانشراحاً إذا صفا وراق، نشوته خمر العيون من لحاظ العذارى المائسات، وأديبنا الكبير الذي تخطى الخمسين من عمره المديد في يراعه سحر عصا موسى لو مس به الجبال لدكها دكًّا، وفي روحه حيوية الشباب النضر، يعود الفضل في ذلك إلى قرينته الفاضلة التي وهبت نفسها في سبيل تأمين راحته، وجندت نفسها في إظهار مواهبه، ولو تبحر القارئ في بطون التاريخ لوجد أن أكثر أعاظم الرجال قد استأثر الدهر بحياتهم، فلم يعقبوا ذرية ليكونوا للبشرية والمجتمع نعمة ورحمة وأعلاماً خالدين.

*  *  *

 



([1])  (أ) (1/173 ـ 174).

الأعلام