جاري التحميل

ميخائيل عيد البستاني

الأعلام

ميخائيل عيد البستاني([1])

1868 ـ 1934م

مولده ونشأته: هو المرحوم ميخايل بن أنطون بن مرعي بن إلياس بن عيد ابن عساف بن عبد العزيز بن مقيم البستاني، ولد في دير القمر سنة 1868م، درس مبادىء العلوم العربية وبعض الفرنسية في مدارس بلدته الخارجية، ثم أنهى تحصيل علومه في مدرسة الحكمة الشهيرة في بيروت، حيث أتم العربية على نسيبه الشيخ عبد الله البستاني، والفرنسية على أساتذة مهرة.

في الوظيفة: انتسب إلى خدمة الحكومة بتاريخ 12 كانون الثاني سنة 1889م، وتجلت مواهبه المسلكية فأشغل وظائف عديدة، وترفع في مناصب القضاء العالية فكان مستشاراً في محكمة التمييز، ثم رئيساً لمحكمة استئناف الحقوق والتجارة ودائرة الاتهام، وفي سنة 1930م أحيل على التقاعد، ونال وساماً رفيعاً.

مواهبه: كان علماً من أعلام القانون، ونابغة من نوابغ الشرق، وكاتباً بليغاً، وشاعراً ذا رقة وعاطفة، وقد تناولته أقلام الكتاب فأشادوا بفضله وعلمه وأدبه حيًّا وميتاً، درس العربية واستوضح أسرارها، وغاص على دررها في قرارها، ودرس الفرنسية وأجاد كتابتها والتحدث بها بفصاحة.

وكان أحد أعضاء اللجنة التي تألفت لترجمة القوانين من الفرنسية إلى العربية، ولما رأى أن لا غنى له عن اللغة التركية في درس القوانين والمراجع العثمانية درسها على نفسه، وأتقن الترجمة منها إلى العربية، وله منها ترجمات بعضها مطبوع ومنشور كقانون (رسم التمغة) وقانون (انتقالات الأموال غير المنقولة)، ووضع كتاباً اسمه (مرجع الطلاب)، فجاء من الناحية اللغوية مورداً للمتأدبين، ومرجعاً للقضاة والمحامين، وهو يشتمل على (717) صفحة.

شعره: كان شاعراً ناطقاً بلسان العاطفة وحوادث الزمان، يترك للمطالع صورة حية عن أخلاقه وما كان عليه من الحكمة الصادقة والروح النبيلة والتصلب أمام تقلبات الزمان وتباريح الداء في آخر أيام حياته، لا تقل أوصافه حسناً عن أوصاف الشعراء المجيدين من متقدمين ومتأخرين، وألف ديوان شعر لم يطبع بعد، ونشر مجموعة من قصائده، وقد أكثر من مدائحه المترفعة عن كل غاية إلا إظهار العاطفة الصادقة وتقدير أعمال ممدوحيه، وقد أجاد بوصف النمر في قصيدة مطلعها:

سرى ضارياً في البيد والليل روّقا

طريد ملمات به الهم أحدقا

فخال الدجى جيش الزنوج مجمرا

يسد على أقوام قيصر أطرقا

وأبدع في وصف شالوط دير القمر بقوله:

ألا حبذا الشالوط في الدير جاريا

عليه نشا أهل النباهة والبأس

يدار على القوم العطاش كأنه

سلاف أديرت في الكؤوس لجلاس

فيعتز من يروي به فتخاله

غنيًّا مليًّا وهو في حال إفلاس

يقال به ما قيل في الخمر سابقا

توجهه للجوف يذهب للرأس

وكان محبًّا لعمل الخير، ودعا إليه فقال:

عند الجميع اصطنع الجميلا

رب زمان مكن الذليلا

ومن نبله وطيب أرومته أنه يرى الصفح عن الجاني دون نسيان الذنب عداوة، فقال:

وليس بكاف عفونا عن جان

إن تعف فارم العفو بالنسيان

لقد كان منذ حداثته عرق الشهامة النابض، وعين الحقيقة الساهرة، تشهد له أعماله في سائر أدوار حياته، وتخلده أشعاره بعد مماته، ومن قوله:

توليت القضاء حديث سن

فقمت به بإخلاص ودين

فما خالفت في حكم ضميري

وما صودفت منخفض الجبين

وما حابيت ذا مال وجاه

وغير الله لم يك من معين

وها إني على حالي مقيم

وقد جاوزت حد الأربعين

ولم تكن حوادث الأيام وشدة وطأة الداء عليه لتخفف من عزمه وتثبط همته، فقد كان حتى أواخر ساعاته مثال الصبر وطول الأناة والثقة بالله ورحمته، وفي ذلك يقول:

إذا ما الداء طال على مريض

فغير الصبر ليس له دواء

يهون مع التصبر كل ضيم

وفي اليأس التعاسة والشقاء

فدين الحق بالباري رجاء

وعند الكفر ينقطع الرجاء

اشتهر المترجم بعلم الفقه والفرائض، فكان قوله حجة وفصل الخطاب.

وفاته: وفي يوم السبت الواقع 11 أيلول سنة 1934م عصفت رياح المنية بروح هذا النابغة في دير القمر، ودفن فيها.

*  *  *

 



([1])  (أ) (2/258 ـ 259).

الأعلام