جاري التحميل

ميشيل المغربي الحمصي

الأعلام

ميشيل المغربي الحمصي([1])

الشاعر المبدع ميشيل المغربي الحمصي

ولد الأستاذ ميشيل بن حافظ المغربي ـ والدته هيلانة بنت عبد الله اللاذقانية ـ في مدينة الإسكندرية في 16 كانون الأول سنة 1901م بعد وفاة والده بأربعة أشهر، تلقى العلوم الابتدائية تارة في حمص وأخرى في الإسكندرية حسب تردد المرحومة والدته ما بين هاتين المدينتين.

وفي سنة 1911م استقر بهما المقام في حمص، فالتحق بالكلية الإنجيلية الداخلية لرئيسها حينذاك الأستاذ العلامة المشهور حنا خباز، ولما أشغلت خلال أيام الحرب الكونية الأولى تابع دروسه مع بعض الرفاق على الأستاذ فريد ملحم حتى سنة 1916م، ولما أغلقت أبوابها ظل شاعر حمص ذا الميل الغريزي لتلقي العلوم مثابراً بنفسه، وقد تتلمذ على الأستاذ اللغوي يوسف شاهين في آداب اللغة زهاء سنتين بدأ في أثنائها ينظم الشعر، فكان أول ما قاله رثاءه للمرحوم والده.

ديوان العواطف: وفي سنة 1922م أصدر مجموعة منظوماته حتى سن العشرين في ديوانه (العواطف)، ومع أن ذلك الديوان لم يحو عالي الشعر ولا المبتكر منه فإنه يعد كثيراً على من كان في تلك السن.

وله في النثر جولات رائعة، فقد أخذ يكتب في بعض المجلات والصحف، فكانت تتناقل تلك الفصول بإعجاب.

هجرته: وفي أواخر سنة 1923م هاجر إلى جمهورية (الشيلي) وأقام نصف عام، ثم غادرها إلى جمهورية البرازيل، وهو لا يزال حتى الآن في مدينة باولو أكبر وأغنى مهجر عربي على الإطلاق عدداً وأدباً ووطنية.

بقي الشاعر زمناً طويلاً وهو لا ينظم ولا ينثر إلا قليلاً؛ لانهماكه في تدبير شؤونه المادية التي ما برح يتخبط فيها حتى سنة 1933م ما بين مد وجزر، ومن منظوماته في تلك الوهلة قصيدته (نجوى العاصي) التي منها هذه الأبيات، والخطاب يعود إلى الوطن.

صفو الحياة قناعة في مذهبي

والبعد عن بعض النجاح نجاح

والعيش في كنف البساطة جنةٌ

والعمر فيه كله أفراح

تبًّا لها مدنيّة غرارة

شقيت بها الأجساد والأرواح

أصفى من السلطان بالاً في الورى

الشاعر الفردي والفلاح

هـذا قولـه فـي عـام 1928م، ولـو أن القصيـدة نظمت بعد أعوام لكان بلا ريب غير رأيه في البيت الرابع.

مزاولته الأدب: وبعد أن توطدت أموره التجارية على أساس متين، فأصبح ثريًّا سعيداً بفضل جده وسعيه وصدقه عاد إلى مزاولة الأدب مع التجارة، فجادت قريحته بأروع القصائد الوطنية والفنية.

ومن مزاياه الفاضلة تعصبه لعروبته وقوميته، فقد كان ولم يزل من دعاة الحرية ومن مثيري الحماس ضد المستعمرين، وهذه بعض أبيات من قصيدته العامرة (العلم السوري)، وقد تناقلتها صحف كثيرة، والخطاب للعلم:

أنت عند الزمان تطلب ثأرا

للعلى والزمان يطلب ثارا

ليس يشجيك غير خذلان قوم

للأعادي يضفرون الغارا

فهم عنك والخنوع ولوع

يستغلون كي يظلوا أسارى

فلئن أنكروا العروبة إنكا

راً ولم ينتموا إليك افتخارا

فالخضم العظيم تنكره الديـ

ـدان طبعاً وتطلب الآبارا

ومن قصائده الوطنية قصيدة بعنوان (شهداء فلسطين)، وهذه بعض أبياتها:

فلسطين الكليمة لا تراعي

فبعض الفضل من شرف الطباع

قصارى الفضل أن تلدي رجالا

وينعاهم إلى الجوزاء ناع

وقد ضرب في قصائده على الوتر الحساس، فكان من أنبل الدعاة إلى التساهل الديني وإلى التقريب بين القلوب، وهذه قصيدة عنوانها (عيد المولد النبوي)، منها قوله:

يا من طلعت على الفصحى وأمتها

بنصر دين يضم الدهر سرمده

الضاد لولاك ما كانت مخلدة

ولا رواها جمال أنت مورده

ما النثر ما الشعر ما الدنيا وسؤددها

إزاء ما فم أميٍّ ينضده

إن كان للغرب عرفان وفلسفة

فالشرق يكفيه ما أعطى محمده

على أن المغربي ليس شاعراً وطنيًّا فحسب، بل إنه شاعر متفنن، له أسلوبه الخاص في شعره القصصي المتخيل حول مظاهر الطبيعة، كما تراه في قصائده: مأساة البحر، والصياد، والشجرة، ووردة، وإحسان الوجود، وسواها، وله قصائد من غير منحاه، هذا القصصي يبدع فيه كل الإبداع في تخيلاته مثل قصائده: المريضة، والرسم، وفردوس الأرض، وغروب، وسواها، وهذه بعض أبيات من قصيدة الغروب:

نشرت راية الأصيل لتطوى

صفحة اليوم بعد صفحة أمس

ودنت من غروبها الشمس في حمـ

ـرة ورد تغشاه صفرة ورس

حملتها سواعد الجن بالأفـ

ـق على درب عالم غير إنسي

شأن عذراء فوق نعش من الـ

ـنور تهادى بها مواكب عرس

ومن قصيدته المريضة هذه الأبيات آثرت نشرها، وهي تدل على ما يعانيه شاعرنا من حس عاطفي، هو كاللهيب المحرق في جوانحه، أما المريضة فلا أدري ما إذا كتب لها الشفاء أو الموت بعد رؤياها جمال شاعرنا اليوسفي الذي ضن علي بصورته الغراء، وظن أني أعجز عن إدراكها:

بروحي أفدي في السرير مريضة

وددت لو أني والورى دونها مرضى

فما إن شكت إلا شكوت تألما

وما إن بكت إلا بكيت أنا أيضا

كأني مكان الداء منها أو أنها

هي الأثر الباقي بجسمي من الأعضا

ومنها:

يفور ويعلو صدرها في لهاثها

كثائر بحر راكض موجه ركضا

لبثت على فيض الحنان مكابرا

أحاذر أن أحنو عليها فلا ترضى

أدغدغ بالكفين كفًّا تمدها

وأوهمها أني أجس لها نبضا

ومنها:

سهرت عليها ليلة بعد ليلة

وجفني الليالي كلها لم يذق غمضا

إلى أن رأيت الورد عاود حسنها

وزايلها داء إلى جسدي أفضى

*  *  *

 



([1])  (أ) (1/116 ـ 117).

الأعلام