جاري التحميل

نازك الملائكة

الأعلام

نازك الملائكة([1])

هي الشاعرة العبقرية أميرة الشاعرات العربيات في هذا العصر، التي قادت الثورة في ميدان الأدب العربي، وقامت بانقلاب اجتماعي، فمزقت الحجاب،وحطمت قيود التقاليد العقيمة، وأحيت الأرواح الجامدة، وحملت المشعل الأدبي تنيره للأجيال، وقدمت للمرأة الخدمات الاجتماعية.

نشأتها: ولدت الشاعرة في بغداد، ونشأت في بيئة فاضلة، وهي كريمة الشاعر والمؤلف صادق الملائكة، ووالدتها المرحومة الشاعرة وتكنى بأم نزار، تلقت دراستها في بغداد، وتخرجت من دار المعلمين العالية، وهي الآن تعد رسالة الدكتوراه في النقد الأدبي من أحد جامعات أمريكا.

أسرة فن وشعر: انحدرت الشاعرة العبقرية من أسرة شاعرة، فأبوها صادق الملائكة شاعر ومؤرخ، وأمها المرحومة أم نزار شاعرة، وأشقاؤها: الأستاذ عبد الصاحب شاعر، ونزار، وأختها إحسان مثل نازك في الأدب والشعر.

إنتاجها الأدبي: أخرجت ديوانها الأول «عاشقة الليل» عام1947م، التزمت فيه قواعد «الخليل بن أحمد»، ودارت غالبية القصائد فيه عن عواطفها ومآسيها.

وأخرجت ديوانها الثاني«شظايا ورماد» عام1949م، وخرج شعرها في ثوب الشعر الحر الذي استمدت روحه من الأدب الإنكليزي، وامتاز ديوانها الثاني بأثر الثقافة، وقلّت فيه العاطفة عن ديوانها الأول.

وهي الآن تعد ديوانها الثالث «قرارة الموجة» للطبع.

شعرها: لقد أحدثت الشاعرة نازك العبقرية ثورة في الأدب، وهي تمتاز عن الشاعرات المصريات في هذا الانقلاب الأدبي، قرأت دواوين الشعر للأقدمين والمحدثين وخاصة المصريين، وقرأت للشاعر محمود حسن إسماعيل، وقد أعجبت بنسجه وصياغته وهامت في صوفيته، وهو الشاعر المفضل لديها، انعكس في شعرها الوحدة، والأسى، والظلال، والدموع، والحزن الصامت، والحس المرهف، ودقة الشعور بسبب ما اكتنفها من مآس في حياتها الخاصة، وهي تشير إلى ذلك بقولها:

هو يا ليل فتاة

شهد الوادي سراها

أقبل الليل عليها

فأفاقت مقلتاها

ومضت تستقبل الوا

دي بألحان أساها

خرجت بشعرها إلى الوجود بهذا اللون الحزين الصامت الغريب، فاستقبلت بالنقد والعداء، فقد خشي الناس من هذا اللون المتشائم ولم يفهموا مأساتها، فقالت:

لم أستطع يا نهر كتـ

ـمان العواطف والشعور

من يمنع السيل القويْـ

ـيَ من التدفق والمسير

وهي لا تنكر أنها تعبر عن لون التشاؤم في شعرها، وتقول:

أعبّر عما تحس حياتي

وأرسم إحساس روحي الغريب

أعبّر عن كل حس أعيه

أبكي الحياة ولا أنكر

وتختار المواضيع الاجتماعية التي تتحدث عنها، فتصور فيها أحزانها وما له صلة بمآسيها وآلامها، ولها مقالات كثيرة منها الشعر والمجتمع ومزالق النقد الأدبي، والتكرار في الشعر العربي، وحركة الشعر الحر في العراق، وغيرها، وهي قوية في أسلوب نقدها الأدبي.

وهذه قصيدة رائعة بعنوان (لنفترق):

لنفترق الآن ما دام في مقلتينا بريقْ

وما دام في قعر كأسي وكأسك بعض الرحيقْ

فعمّا قليل يطل الصباح ويخبو القمرْ

ونلمح في الضوء ما رسمته أكُفّ الضَجَرْ

على جبهتينا

وفي شفتينا

وندرك أن الشعور الرقيقْ

مضى ساخراً وطواه القدرْ

*  *  *

لنفترق الآن، ما زال في شفتينا نغمْ

تكبّر أن يكشف السر فاختار صمت العدمْ

وما زال في قطرات الندى شفةٌ تتغنى

وما زال وجهك مثل الظلام له ألفُ معنى

كسته الظلالْ

جمال المحالْ

وقد يعتريه جمود الصنمْ

إذا رفع الليل كفّيه عنا

*  *  *

لنفترق الآن، أسمع صوتاً وراء النخيلْ

رهيباً أجشّ الصدى يذكّرني بالرحيلْ

وأشعر كفّيك ترتعشان كأنك تخفي

شعورك مثلي وتحبس صرخة حزن وخوف

لم الارتجافْ؟

وفيم نخافْ؟

ألسنا سنُدرك عما قليل

بأن الغرام غمامة صيف

*  *  *

لنفترق الآن، كالغرباء وننسى الشعورْ

وفي الغد يُشرق دهر جديد وتمضي عصورْ

وفيم التذكُّر؟ هل كان غير رؤًى عابره

أطافتْ هنا برفيقين في ساعة غابره؟

وفي غير مساء

طواه الفناء

وأبقى صداه وبعض سطورْ

من الشعر في شفتي شاعره

*  *  *

لنفترق الآن، أشعر بالبرد والخوف، دعنا

نغادر هذا المكان ونرجع من حيث جئنا

غريبين نسحب عبء أدّكاراتنا الباهته

وحيدين نحمل أصداء قصتنا المائته

لبعض القبور

وراء العصور

هنالك لا يعرف الدهر عنّا

سوى لون أعيننا الصامته

*  *  *

 



([1])  (أ) (2/543 ـ 545).

الأعلام