جاري التحميل

ناصيف اليازجي

الأعلام

ناصيف اليازجي([1])

الشيخ ناصيف اليازجي

(1800 ـ 1871م)

مولده ونشأته: هو ناصيف بن عبد الله بن ناصيف بن جنبلاط بن سعد اليازجي اللبناني المولد، الحمصي الأصل، هاجر جده سعد المذكور من حمص مع جماعة من ذويه نحو سنة 1690م، فتوطن أناس منهم في ساحل لبنان، وآخرون في وادي التيم، وتفرق بعضهم في مواضع أخرى، ولا تزال بقية أسرتهم في حمصونواحيها، وهم عشيرة كبيرة من ذوي الوجاهة واليسار، وأكثرهم من طائفة الروم الأرثوذكس، أما فرع الشيخ ناصيف فإنه ينتمي إلى الروم الكاثوليك.

كان مولده في قربة كفرشيما من قرى لبنان في 25 آذار سنة 1800م، وتلقى مبادىء القراءة على راهب من بيت شباب، وكان والد المترجم من الأطباء المشهورين في عصره على مذهب ابن سينا، وكان مع ذلك أديباً وشاعراً، إلا أنه كان قل ما يتعاطى النظم لقلة المناسبات إليه إذ ذاك.

نشأ المترجم على الميل إلى الشعر، وأقبل على الدرس والمطالعة بنفسه وتصفح ما تصل اليه يده من كتب النحو واللغة ودواوين الشعر، ونظم الشعر وهو في العاشرة من عمره، وكان يستعير الكتب من الأدباء والمكاتب القديمة فيقرأها ويحفظ زبدتها لقلة الكتب المطبوعة في عهده، وقد بلغ من كل علم لبابه ودرس أشهر مصنفاته.

مؤلفاته: له تآليف مشهورة بين مختصر ومطول، هي اليوم عمدة التدريس في أكثر المدارس السورية والمصرية، لما هي عليه من الوضوح وحسن الترتيب، أشهرها: 1 ـ(فصل الخطاب في أصول لغة الإعراب)، 2 ـ (الجوهر الفرد) في موجز الصرف، 3 ـ (طوق الحمامة) في مبادىء النحو، 4 ـ أرجوزة «لمحة الطرف في أصول الصرف»، 5 ـ أرجوزة «الباب في أصول الإعراب» في النحو، 6 ـ (الجمانة في شرح الخزانة) وهو مطول في الصرف، 7 ـ (نار القرى في شرح جوف الفرا)، 8 ـ (عقد الجمان في المعاني والبيان)، 9 ـ (الطراز المعلم)، 10 ـ (نقطة الدائرة) في العروض والقافيـة، 11 ـ (اللامعـة فـي شرح الجامعة)، 12 ـ (قلب الصناعة)، 13 ـ (التذكرة) وهي أرجوزة في أصول المنطق، 14 ـ (القطوف الدانية) وهو شرح طويل على بديعيته، 15 ـ (مجموع الأدب في فنون العرب) وهي مجموعة في المعاني والبيان والبديع والعروض، 16 ـ أرجوزة مختصرة سماها (الحجر الكريم في الطب القديم)، 17 ـ معجم بعنوان (جمع الشتات في الاسماء والصفات) لم ينشر بالطبع.

وقد ساعد المرسلين الأميركيين في ترجمة الكتاب المقدس، ونظم لهم المزامير وبعض الأغاني الدينية، وكان قد شرع في وضع شرح لديوان المتنبي لم يستوفه، فأتمه بعده ولده الشيخ إبراهيم وسماه (العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطيب)، وذيله بنقد مطول على شعر المتنبي.

 18 ـ وأشهر تآليفه وأعظمها مقاماته المعروفة باسم (مجمع البحرين) التي عارض فيها مقامات الحريري، وهي ستون مقامة ضمنها من بلاغة الإنشاء والفوائد اللغوية والعلمية وتواريخ العرب وأمثالهم، وأودعها من الفنون البديعية الصعبة المرتقى في بعض منظوماته كالجناسات الخطية وجناس ما لا يستحيل بالانعكاس وغيرها.

وقد تفنن في صناعة التاريخ الشعري تفنناً غريباً يقضي له بالسبق في هذا المضمار على الشعراء قاطبة، ووقف على طبع «مواعظ القديس يوحنا فم الذهب»، وله الفضل بتأسيس (الجمعية العلمية السورية).

شعره: ألف ثلاثة دواوين شعرية تعد من عيون الشعر، ولا سيما في الأبيات الحكمية، ويسمى أقدم دواوينه 19 ـ (النبذة الأولى)،20 ـ (نفحة الريحان) 21 ـ (ثالث القمرين).

ونظم التواريخ الكثيرة التي نقشت على القبور أو علقها على الكنائس والقصور، ومع أنه لا يبلغ طبقة المشهورين في شعره، فإن الإجادة ظاهرة فيه، مما يدل على أنه كان مطبوعاً على الشعر، لم يكن يتكلفه، مع حسن اختياره للألفاظ الجامعة، وقد انفرد بأمور لا تجدها مجموعة في غيره.

كاتب الأمير الشهابي: مدح الأمير بشير الشهابي وإبراهيم باشا المصري والسلطان عبد العزيز، واتصل بالأمير الشهابي فقربة إليه وجعله كاتبه، ولبث في خدمته نحواً من اثنتي عشرة سنة إلى سنة 1840م، وهي السنة التي خرج فيها الأمير بشير من البلاد اللبنانية، وكان شاعر الأمير الشهابي الخاص المعلم بطرس كرامة الحمصي، فلم يشأ أن يزاحمه.

في بيروت: وبعد أن ارتحل الأمير الشهابي انتقل المترجم إلى بيروت، وأقام فيها منقطعاً للمطالعة والتأليف والتدريس في المدرسة البطريركية للروم الكاثوليك، والمدرسة الوطنية للبستاني، والمدرسة الكلية للأميركان، فاشتهر ذكره في جميع البلاد العربية، وراسلته أكابر الشعراء من العراق ومصر وغيرها، وقد طبع ما داربينه وبينهم في ديوان خاص عنوانه: 22 ـ فاكهة الندماء في مراسلات الأدباء، وهو فريد في بابه.

صفاته: كان معتدل القامة، فوق الربعة، ممتلئ الأعضاء، أسمر اللون، أجش الصوت، مهيباً وقوراً شهماً، كاملاً متواضعاً، متأنيًّا في حديثه وحركاته، قليل الضحك، عفيف اللسان، لم يهجُ أحداً ولا هجاه أحد في زمانه، وكان ودوداً مخلصاً، رقيق القلب، حسن التدين، مبالغاً في اجتناب السحت، لا يعطي مالاً ولا يأخذ مالاً بالربا، كثير النكات والنوادر، وقد ألف إحدى مقاماته وهي المقامة اليمامية على ظهر الفرس وكان مسافراً بأهل بيته من بيروت إلى بحمدون سنة 1853م بقصد الاصطياف، وكان حافظاً القرآن الكريم بتمامه، ويعي من الشعر شيئاً كثيراً، ولاسيما شعر المتنبي لشدة إعجابه به، وكان يقول: (كان المتنبي يمشي في الجو وسائر الشعراء على الأرض).

وكان يلبس العمامة في رأسه والجبة والقفطان على بدنه، ويضع الداواة تحت منطقته، وقد اشتهر بصناعة الخط الذي أتقنه كثيراً، وله ولع باستعمال التبغ، ويكثر من تناول القهوة.

وفاته: وفي عام 1869م أصيب بمرض عضال فانفلج فالجاً نصفيًّا عطل نصفه الأيسر، ثم أصابته سكتة دماغية، فتوفي فجأة بتاريخ 8 شباط 1871م في منزله الكائن في زقاق البلاط بالقرب من المدرسة الوطنية البستانية سابقاً في بيروت، واحتفل المشيعون على اختلاف طوائفهم بجنازته، ودفن في مقبرة الروم الكاثوليك في الزيتونة، وكتب على صورته:

أمضي وتبقى صورتي فتعجبوا

تمضي الحقائق والرسوم تقيم

والموت تجلبه الحياة فلو حوى

روحاً لمات الهيكل المرسوم

وأعقب من زوجته (اليصابات الشامي) الدمشقية الأصل من أسرة الطويل المتوفية عام (1881م) وردة الشاعرة العبقرية، وقد درجت ترجمتها في حلقة الشاعرات والأديبات العربيات، وساره، الشيخ إبراهيم، فارس، عبد الله، مريم، حنة، والشيخ حبيب، ونصار المتوفى عام 1876م، وآسين، وراحيل المتوفية عام 1879م، والشيخ خليل.

*  *  *

 



([1])  (أ) (2/279 ـ 281).

الأعلام