جاري التحميل

نبيه سلامة الحمصي

الأعلام

نبيه سلامة الحمصي([1])

الشاعر المبدع نبيه سلامة الحمصي

 هو السيد نبيه بن نقولا بن بطرس سلامة، وأسرته عربية قديمة، انحدرت من الغساسنة واستوطنت حمص منذ أربع مئة سنة، امتدت جذورها على ضفاف الأردن منذ ألفي سنة، وتفرعت جذوعها في كثير من البلدان العربية، ومنهم الآن قسم كبير في كسروان لبنان، وقسم في بعلبك، وقسم في حمص، وقد أفرز المؤرخ عيسى المعلوف فصلاً لأسرة سلامة في موسوعته «الأسر الشرقية».

نشأته الثقافية: ولد هذا الشاعر بحي كنيسة الأربعين بحمص في مستهل آذار عام 1908م، وتلقى دراسته في بعض الكتاتيب الخاصة نظراً لاحتلال الحكومة التركية المدارس وتحويلها إلى ثكنات عسكرية خلال الحرب العامة الأولى، وفي عام 1919م انتسب إلى الكلية الأرثوذكسية وبقي فيها إلى سنة 1922م، وقبله الأستاذ حنا خباز في مدرسته عندما اطلع على عجزه المالي بدفع الأقساط المدرسية، وأتم دراسته الثانوية سنة 1925م.

وكان للمطالعة الفضل الأكبر في تكوين عقليته، وكان أحب الكتب إليه كتب الأدب، وبين أنوال النسيج قرأ كل ما أوجدته اللغة العربية من قصة، وتملكته ملكة الخطابة فدعاه الأستاذ خباز بـ (ميرابو) المدرسة، وأخذ ينشر في صحف حمص ودمشق وبيروت وحلب وطرابلس، وكان المراسل الرسمي لجريدتي ألف باء الدمشقية ولسان الحال البيروتية.

انتسابه للتعليم: وفي سنة 1926م انتدبته وزارة المعارف معلماً في قرية محردة، ومنها إلى حماة فدمشق، وفيها نشر باكورة أعماله رواية (جاكلين) أو (لذائذ الانتقام)، وهي مقتبسة عن الفرنسية.

وفي حمص أصدر مع فريق من الأدباء مجلة البحث، ولم تعش طويلاً لأسباب مادية، وفيها نشر قصيدته (الحجاب الشفاف) التي جاء فيها:

قل لمن قد حجبوها

حسبهم هذي المشقة

حاولوا نيل عفاف

جهلوا والله طرقه

ليته كان صفيقا

بل عسى نشهد مزقه

وكانت تمنياته بتمزيق الحجاب سبب ثورة المحافظين والحنق عليه.

هجرته: وفي 10 تشرين الثاني سنة 1935م هجر حمص بقلب تملؤه الدموع، وأثارت الحفلة الوداعية التي أقامها له الشباب بقلبه كل معنى الحب لبلده وأهلها، وستظل صورتها حية يحملها مدى الحياة، وكان صادقاً عندما أنشد في قصيدة الوداع:

أنأى عن الوطن المحبوب مفتئداً

والنار في مهجتي والدمع من زادي

في البرازيل: وصل البرازيل في 18 كانون الأول سنة 1935م، وعهد إليه بأمانة السر لكتلة الدفاع الوطني، ثم أخذ يحرر في جريدة الرابطة الوطنية السورية، وبعدها أغلقت الحكومة البرازيلية كل الصحف الأجنبية، فترك القلم وزاول التجارة، وفي النادي الحمصي انتخب خطيباً رسميًّا مدة ثلاث سنوات متوالية.

نكبته: وعندما جمع قليلاً من المال، وأخذت أثمار التجارة تظهر، وحسب أن الزمن قد صفا له؛ احترق بيته ليل 26 آب سنة 1946م، فالتهمت النيران بدقائق ما أنجبته السنون، وشهد بعين جامدة ألسنة اللهيب تلتهم عرق جبينه.

هجرته الثانية: ضاقت سان باولو على اتساعها، وأظلمت على إشراقها فلم يجد بدًّا من الرحيل، فتركها وهبط بلدة (راتشاريا) التي يقيم فيها، وهي بلدة صغيرة، سكانها خليط من سائر الولايات، لا يجمعهم دم ولا تربطهم قربى، بعيداً عن العرب وعاداتهم ولغتهم وأخلاقهم، وقد كادت القريحة أن تجمد والقلم أن يجف؛ لأن الفكر الدائم هو السعي وراء الرغيف.

شعره: يعتبر هذا الشاعر من ألمع شعراء حمص والمهجر، تتقد في روحه العقيدة الوطنية والحنين لعروبته، وهو أحد حاملي مشاعلها، ومن أروع منظوماته ما تغني به عن حمصه العزيزة حيث قال:

مشى الزمان وحمص في مواكبه

فتية العزم بالأمجاد تكتحل

وقد تزول عن الأفلاك فتنتها

وحمص لا تنطفي من تاجها الشعل

تبسمت حقب التاريخ عن بلد

لو بدلوه بخلد ساءنا البدل

مدينة تملأ الدنيا بروعتها

عرائس الحسن في أعتابها حول

وهزت مشاعره نكبة فلسطين فقال:

ليست فلسطين الشهيدة وحدها

كل الجزيرة بالمصاب شهيد

في كل قلب يعربي جمرة

وبكل قطر فتنة وجنود

وناجى بدموعه هضاب ميسلون، فأنشد لافض فوه:

قالوا هضابك أجداث فقلت لهم

هضابك المهد فيها يبدأ العمر

كأن في سفحها المبرور مدرسة

ويقظة الشعب عن تعليمها صور

فكل قبر خطيب صامت لسن

وكل ميت حياة كلها عبر

وجادت قريحة هذا الشاعر الذي تفخر حمص بمواهبه وعصاميته بقصائد بليغة في مواضيع اجتماعية كثيرة.

إن حمص التي تفخر بمواهب شعرائها المغتربين وعصاميتهم ليعز عليها والألم يحز في النفوس أن يخوضوا ميدان الحياة بكفاح مرير في سبيل كسب الرزق، ولو أتاح لهم الدهر العيش الهنيء أترى هل تحسسوا وأنشدوا قوافيهم الخالدة.

*  *  *

 



([1])  (أ) (1/119 ـ 121).

الأعلام