جاري التحميل

نجيب الحداد

الأعلام

نجيب الحداد([1])
الشيخ نجيب الحداد

(1867 ـ 1899م)

مولده ونشأته: هو المرحوم الشيخ نجيب بن الشيخ سليمان الحداد شاعر الشباب والكاتب والصحافي والروائي المشهور، والدته حنة بنت الشيخ ناصيف اليازجي، ابن أخت حجة العربية وإمام البلاغة والبيان المرحوم الشيخ إبراهيم اليازجي، منشئ مجلة الضياء الشهيرة.

وأصل الأسرة من عرب بني لطيف الحوارنة، وتكنت بلقب الحداد في عهد نجم الحداد جد سليمان الذي كان يعمل بتعدين الحديد للأمير بشير الشهابي، فغلب عليه وعلى نسله من بعده لقب (الحداد).

ولد المترجم في مدينة بيروت يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من شهر شباط 1867م، وقد نزح به والده إلى مصر، وهو ابن ست سنوات، وتلقى دروسه في مدرسة الفرير، وامتاز على أقرانه بذكائه، وفي أيام الثورة العرابية عاد إلى بيروت، فدخل المدرسة البطريركية، وأخذ أصول اللغة العربية عن خاليه الشهيرين العلامة الشيخ إبراهيم والشيخ خليل اليازجي، فتمكن من شواردها، وفي سنة 1883م أرسل مدرساً إلى بعلبك فأقام يدرس في مدرستها اللغتين العربية والفرنسية سنة كاملة، وكانت أول أشعاره الغرامية هناك، وله فيها من الأشعار الرائعة على حداثته في ذلك العهد ما يدل على استحكام ملكة الشعر فيه.

عودته إلى مصر: ثم استدعي إلى جريدة الأهرام للمساهمة في تحريرها، وبقي المنشئ الأول فيها مدة اثنتي عشرة سنة بلا انقطاع ثم فارقها، وأنشأ في سنة 1894م جريدة لسان العرب اليومية، فاشتهرت أحاديثه الأخلاقية التي كان يصور فيها عواطف الإنسان وأمياله ورغائبه في كل شيء، ودلت على مكانته العليا من البلاغة في عالم الإنشاء.

ثم اضطر لإصدارها مجلة أسبوعية، وقد بدأ المترجم النابغة بالكتابة في الخامسة عشرة من عمره في تحرير جريدة الأهرام، وانتهى قبل وفاته بشهرين بكتابة جريدة السلام، وله مقالات مأثورة في مجلة البيان وسواها من الجرائد السيارة.

رواياته: وفي خلال قيامه بتحرير جريدة الأهرام وضع كثيراً من الروايات التمثيلية والقصصية فوق أشغاله الكثيرة، فوقعت رواياته موقع الإعجاب من جميع قرائها وسامعيها؛ لما اشتهرت به من حسن الجدل وسلامة انتقاء المواضع وبلاغة الإنشاء ورشاقة الشعر، حتى أصبح يتغنى بشعره المنشدون ويتناشده الناس؛ لما امتاز به من الطلاوة والسهولة والابداع، وانتشر شعره في الأقطار العربية انتشاراً لم يسـبق لسـواه مـن مشاهيـر الكتـاب، ومن رواياته: 1 ـ صلاح الدين الأيوبي،2 ـ المهدي، 3 ـ شهداء الغرام، 4 ـ أحمدان، 5 ـ البخيل، 6 ـ حلم الملوك، 7 ـ العاشقة المتنكرة، 8 ـ فضيحة العشاق، 9 ـ روميو وجوليت، 10 ـ الطبيب المغصوب، 11 ـ السيد، 12 ـ فيدر،13 ـ حديث ليلة، 14 ـ غرام واحتيال.

أما رواياته التمثيلية فهي: 15 ـ الرجاء بعد اليأس، 16 ـ ثارات العرب، 17 ـ قتيـل القيصـر ميـلادي، 18 ـ سينا، 19 ـ بيربنيس،20 ـ غرام الأخوين، 21 ـ زايير، 22 ـ أوديب، واشتهرت رواياته القصصية، 23 ـ الفرسان الثلاثة: وهي أول ما عرّبه من القصص، 24 ـ ورواية غصن البان: وهي رواية عاطفية وجدانية أبدع فيها ما شاءت البلاغة من وصف لم يسبقه إليه سواه من كتاب العرب ، ولم يطرقه غيره من كتاب ذلك العصر، وكانت فرسان الليل في ثلاثة أجزاء، وكان مؤلفاً للشيخ سلامة حجازي الممثل المصري المشهور.

فن التمثيل: وكانت أشهر الفرق التمثيلية لا تمثل غير رواياته، ولا يقبل فريق الأدباء إلا على هذه الروايات، ويعد المترجم أول من أجاد تعريب الروايات الغربية وأبدع فيها أيما إبداع، كما عرب روايات قصصية أكثرها عن دوماس، وكان المرحوم عبده الحمولي الموسيقار المصري الشهير صديقاً للمترجم ومن المعجبين بمواهبه.

شعره: كان بلبلاً غريداً في خمائل الوحي والإلهام، وكان يعالج بشعره أهم النواحي الاجتماعية وأكثرها علاقة بحياة الأفراد والجماعات، فكل ما رآه في زمنه من عادات منكرة وانغماس في حمأة الشهوات والملذات دعاه أن يرفع صوته بالنقد اللاذع، وأهاب به إلى أن يشن حملة شعواء على أرباب السخف ودعاة التفرنج العقيم، يمتاز شعره عن غيره من الشعراء بموافقته للذوق العصري، ومخالفته للمعاني القديمة، بارز في الثوب العربي الصحيح، خلافاً لما يظهر على شعر عن غيره في المعاني العصرية من النسق الإفرنجي المنتحل، وعدم موافقته في شيء للأساليب العربية المألوفة، ومما خالف به أكثر الشعراء، عدم تعرضه للمدح إلا في القليل لنادر لكراهية مدح من لا يستحقه، وقد أهداه سلطان زنجبار وسام الكوكب الدري مكافأة له عما بذله في خدمة العلم، ولما أزمع شكره بقصيدة فاجأته المنية، ومن نظمه البليغ قوله في الفجر:

إذا ملئت من البدر العيون

وهاجت منه أو سكنت شجون

فكم بسمت لمرآة ثغور

وكم سالت لمرآة شؤون

وكم ذكر المحب به حبيبا

وكم نسي الخدين به الخدين

فيا شبه الحبيب حويت منه

بهاء وفاتنا منك الفتون

وقاك الله كم تفني قرونا

ولا يُفني محياك القرون

وفاته: لقد أرهقه الدهر بتكاليف الحياة والأسقام، فكانت حياته قصيرة كعمر الورود، واستطاع خلال هذه الفسحة الضيقة من العمر أن يطرف الناطقين بالضاد بكل طلي شهي من ثمار الأدب والفن، وأن يسير وراءه جيشاً لجباً من المريدين والمعجبين، وقد طواه الردى يوم الجمعة التاسع من شهر شباط سنة 1899م وهو في أوج شبابه، وأرخ وفاته خالة الشيخ إبراهيم اليازجي فقال:

فصغت بيتاً من التاريخ قلت به

قد مات بعد النجيب الشعر والأدب

*  *  *

 



([1])  (أ) (2/370 ـ 371).

الأعلام