جاري التحميل

نجيب طراد

الأعلام

نجيب طراد([1])

(1859 ـ 1911م)

مولده ونشأته: هو نجيب بن إبراهيم بن متري طراد، ولد في بيروت في منتصف شهر كانون الأول سنة 1859م وطلائع الاضطراب الأهلي في سوريا على وشك الظهور، وقد تغذى جنينيًّا دم الارتياع، وفي عام الاستعداد للشر أبصر نور الوجود، فرضع الحليب ممزوجاً برائحة الدم، وما بدأ يميز بين الأصوات حتى بلغ أذنيه صليل السيوف ودوي الرصاص، وأول كلمات فهمها عويل الثكالى وصياح الأيتام، إذ تموج الهواء بهذه الأنغام المؤثرة من لبنان وحاصبيا والشام، ورأى في طفولته المنكوبين يتوافدون إلى المدينة فراراً من المذابح وهم بحالة يرثى لها رعباً وجوعاً، فبقي في نفسه أثر من فظائع البشر يرافقه في حياته إلى الممات.

نشأ نجيب في بيت فضل، فشب حرًّا مستقلًّا، وكان ذكيًّا قوي الذاكرة سريع الخاطر، تلقى علومه في مدرسة القديس جاورجيوس للروم الأرثوذكس، وفي التاسعة من عمره دخل مدرسة الآباء اليسوعيين ومكث فيها سنة واحدة، ثم انتقل إلى غيرها، وقبل أن يتجاوز عمر البدر غادر المدارس إلى التجارة، فاشتغل في محلين في الثغر وفي الشام، ولم يطل عليه الأجل تاجراً، بل عاد إلى العلم وانكب على الدرس والمطالعة وشرع يزاول الإنشاء.

في مهنة التعليم: ودعي إلى حمص فعلم في إحدى مدارسها، ثم دعاه زعيم البهائيين (عباس بن بهاء الله) إلى عكا لتعليم أولاده، فأقام في منزله مدة يعلمهم.

هجرته إلى مصر: وإذ رأى مجال التقدم ضيقاً على مواهبه في هذه البلاد غادرها إلى الإسكندرية حيث حرر في جريدة الأهرام، وعين كاتباً في إدارة سكة الحديد المصرية، ونقل بعدها موظفاً إلى وزارة الحربية، ومن أعماله المأثورة فيها تعينيه ترجماناً لعرابي باشا في محاكمته بعد الفتنة المشهورة التي احتل الإنكليز بسببها وادي النيل، وتعليمه (ونجت باشا الإنكليزي) لغة العرب، وقد حضر الحوادث العرابية، واستطلع جميع أحوالها، ولم يخش منها بادرة الاغتيال، ولما رأى حقه مبخوساً وترقيه بسلك الوظائف غير عادل آثر الاستقالة على البقاء.

عودته إلى بيروت: وعاد إلى بيروت وشرع يدرس الطب في الكلية الفرنسية، ولكنه لم يكمل دروسه، واقتصر على تعلم الحقوق واللغات، فأتقن اللغات الألمانية والفرنسية والإنكليزية والعربية، وألمّ بالإيطالية والتركية.

مؤلفاته: ألف 1 ـ تاريخ مكدونيا والمماليك التي انفصلت عنها، ونشره مطبوعاً سنة 1886م 2 ـ تاريخ الرومانيين 3 ـ وعرب عن الفرنسية رواية (اليهودي التائه)، ونشرها مطبوعة بمجلدين، وهذه الرواية مشهورة في العالم لكثرة اللغات التي ترجمت إليها 4 ـ وعرب رواية (عثليا)، ونظمها شعراً، ولسبب مجهول أحرقها دون أن تطبع أو تمثل 5 ـ رواية (العبر) 6 ـ وعرب رواية (حداثة هنري الرابع) 7 ـ وروايات: المتسولة الحسناء 8 ـ خليلة هنري دي بافار 9 ـ وقائع رينيه 10 ـ والملكة كاترين 11 ـ و(حصار باريز)12 ـ و(ملكة النور) 13 ـو(قبائل الشيطان) 14 ـ (العاشق الروسي).

خدماته: عين عضواً في محكمة بداية الولاية، وإذ رأى الفساد متمكناً من الحكومة، ويستحيل عليه الثبات في منصبه دون تزلف ومداجاة، ووجد مبادئه ترزح تحت أثقال الظلم، واستقلال وجدانه معرضاً للضرر؛ هجر الوظيفة مستقيلاً بعد أن عانى عداء المستبدين، وفضل الانزواء في البيت على الظهور في السراي.

إلى مصر: وسافر إلى الإسكندرية فحرر في جريدة (البصير)، وأنشأ جريدة (الرقيب) سنة 1889م، وأصدرها بضع سنوات، وسافر إلى الأستانة ومرسيليا، ورجع إلى بيروت واستقر فيها بقية حياته، وله قصائد ومقاطع عديدة من الشعر مع عدم رغبته فيه، نذكر بعضاً منها للدلالة على مواهبه، فمن ذلك نقريظه لرواية (ألم الفراق)تأليف سليم جدي، أحد كتاب بيروت وشعرائها المجيدين عندما تمثلت عام 1888م:

سحرتنا رواية أذكرتنا

بهجة العم في العصور الشهيرة

نسجتها يراعة ابن جدي

حدث طاب سميره وسريره

أودع اللفظ كل معنى لطيف

شف عن جودة ونفس كبيره

فهي مرآة قلبه عكس العلم

عليها نور الذكا والبصيره

وفاته: وبعد رجوعه إلى وطنه لازم بيته واعتزل فيه عن الناس تفرغاً للدرس والمطالعة، وتوفي في 23 نيسان 1911م، ودفن في مقبرة القديس ديمترويوس.

*  *  *

 



([1])  (أ) (2/321 ـ 322).

الأعلام