نصر الله الطرابلسي
نصر الله الطرابلسي([1])
(1770 ـ 1840م)
أصله ونشأته: هو المرحوم نصر الله بن فتح الله بن بشارة الطرابلسي، ولد المترجم في حلب سنة 1770م، وكان أبوه الكاثوليكي قد أتى من طرابلس إلى حلب للتجارة فتوطنها وتأهل فيها، فولد له المترجم، أخذ مبادئ العلوم على أدباء عصره فأتقنها، وكان ذا ميل للأدب، فتفرغ للدروس البيانية والآداب، ودرس اللغة التركية ثم الفارسية وتضلع فيهما حتى تمكن من نظم الشعر فيهما، وكان بين المترجم وأدباء المسلمين صلات ود ومطارحات في الشعر والنثر.
نكبته وحبسه: وفي سنة 1818م حاول المطران جراسيموس أن يكره الروم الكاثوليك على طاعته فأبوا إجابة طلبه، وفضّل أحد عشر شخصاً الموت في سبيل العقيدة، فقتلوا بطريق الدسائس، واضطر غيرهم إلى الفرار إلى لبنان فأقاموا فيه إلى سنة 1825م، فقال المترجم الشاعر يصف أحوال ملته واعتداء المطران جراسيموس على طائفته وما قاساه الكاثوليك في تلك المحنة:
دع العين مني تذرف الدمع عندما | فحق لهذا الطلب أن تسكب الدما |
وخل زفير القلب يحرق أضلعا | أبت من لهيب الحزن أن تتقوما |
وذر كبدي تفنى من البؤس والأسى | فحق عليها أن تذوب وتعدما |
فقد كنت قبل اليوم أفصحُ ناطقا | وقد صرت من هذي الحوادث أبكما |
شعره: له شعر كثير غير مجموع، فيه الغث والسمين، اغتالت أكثره أيدي الضياع، وقد جمع شتاته بعض أدباء حلب، ومن تخاميسه البديعة:
فؤاد لأعراض الحبيب تصدعا | وقلب لترحال الطبيب توجعا |
فيا من حفظت العهد فيه وضيعا | متى نلتقي حتى أقول وتسمعا |
لقد كاد حبل الود أن يتقطعا | |
جعلت هوى الأحباب دأبي وديدني | وقلبي من فرط المحبة قد فُني |
ذهبت غراماً من هواهم وليتني | أذكر أيام الحمى ثم أنثني |
على كبدي من خشية يتصدعا | |
لحا الله من صب بحب ووالع | صبور على الأحباب ليس بطامع |
فيا قلبي المحزون مت موت طائع | فليست عشيات الحمى برواجع |
إليك ولكن خل عينيك تدمعا |
نكبته الثانية: رحل عن حلب عقيب نكبة أصابته كاد يهلك بسببها، ثم اكتفى الحاكم بسجنه وتغريمه ضريبة فقد بها كل ما يملك حتى عجز عن أداء باقيها، فرفده المرحوم عبد الله الدلال أحد وجوه حلب بمال وفى به ما عليه، ولما تخلص من السجن فارق حلب إلى مصر سنة 1828م واتصل بحبيب البحري الحمصي الأصل رئيس ديوان الكتاب في حكومة محمد علي باشا الكبير، فصار من كتابه، وتحسنت أحواله، وقدمه إلى محمد علي باشا فأحسن إليه وأصبح من المقدمين عنده، وله قصائد كثيرة يمدح بها آل البحري اعترافا بفضلهم وإحسانهم إليه، ثم اتهم في إخلاصه وحسن نواياه فنكب ثانية ولازم بيته إلى آخر حياته، فمات مهملاً كئيباً، وتوفي في حدود سنة 1840 ميلادية.
* * *