جاري التحميل

نوفل إلياس

الأعلام

نوفل إلياس([1])
الأستاذ نوفل إلياس
(1902م)

مولده ونشأته: هو الأستاذ نوفل بن المرحوم غانم إلياس الشاعر العبقري، والنائب في مجلس الأمة السوري، بزغ نجم هذا الشاعر في بانياس سنة 1902م، وله من غنى أبيه ومن جاه أسرته عز وكرامة، تلقى دراسته سنة واحدة في مدرسة ابتدائية وسنة ثانية في مدرسة الفرير باللاذقية، ولما وقعت الحرب العالمية الأولى نزح مع والده إلى قرية (البساتين) واقتبس من فيض نور والده المتدفق، وأخذ عنه وعن عمه المرحوم ميخائيل إلياس علوم اللغة العربية وآدابها، وبعد نهاية الحرب في سنة 1919م استأنف الدراسة في مدرسة الفرير في طرابلس، ونال الشهادة الثانوية وأتقن اللغة الفرنسية، فانقادت لمواهبه قوافي الشعر في اللغتين العربية والفرنسية، وكان رئيساً لمحفلي الأدب العربي والفرنسي.

مراحل حياته: ثم درس في الجامعة العربية ونال سنة 1925م إجازة الحقوق، وخاض ميدان المحاماة، فكان من المحامين اللامعين يعمل في مكتبين افتتحهما في لبنان وسوريا، ولم تكن الأيام تسير وفق هواه، فقد تعرض لمحن كثيرة، فسجن خلال الحرب العالمية الثانية سنة 1940م في المزة، ونال من التعذيب والتنكيل الشيء الكثير، فلن تلن قناته ولم ينثن عن عزمه، وفرضت عليه الإقامة الجبرية في صيدا مدة ستة أشهر، وبعدها نفي إلى فلسطين وأقام فيها مدة سنتين، ثم عاد إلى بيروت وفيها كان تحت المراقبة الشديدة والإقامة الجبرية حتى نهاية الحرب في سنة 1945م، ولو أذعن وسار حسب رغائب المستعمرين لكان له شأن بارز في سياسة البلاد إذ ذاك.

وفي سنة 1947م اقترن وامتلك في عاريا منزلاً لإقامته الشتوية.

في المجلس النيابي: رشح نفسه للنيابة عن محافظة اللاذقية، فحورب ولم ينجح، ثم رشح نفسه مرة أخرى عن حلب سنة 1947م على قائمة الحزب الوطني فلم يفز، وفي سنة 1954م انتخب نائباً عن اللاذقية ومازال، وهو من النواب المرموقين العاملين على خدمة المصلحة العامة.

مواهبه الأدبية: نظم الشعر وهو في الرابعة عشرة من عمره، ولما تعاطى المحاماة وانهمك في ميدان السياسة توقف عن النظم إلا في بعض المناسبات الواقعية، وقد حاربه والده وحرق ما يقتنيه من كتب أدبية؛ كيلا يكون شاعراً مثله، وهو الشاعر الذي شقي من نظم الشعر.

لقد نظم في الوطنيات والغزل والسياسة، ونشرت قصائده الرائعة في أكثر الصحف والمجلات الراقية، فأخذ محبو الأدب يتتبعون أثره ويتهادون شعره ويجنون در ما جادات به قريحة هذا الشاعر الوصاف من سحر قوافيه المتألقة، وقد تغنى أهل الفن بقصائده الرنانة، منها قصيدته الشهيرة الملحنة من مقام النهوند: (أرى سلمى بلا ذنب جفتني)، ونحن نستغرب جفاء سلمى لهذا الشاعر المبدع الذي أبدعه الله في أجمل صورة، ووهبه من السجايا الفاضلة والإيناس والرجولة ما عز نظيرها في غيره من الرجال. واستمع إلى قصيدته (سلمى) ترى فيها لحناً ووصفاً رائقاً.

أرى سلمى بلا ذنب جفتني

وكانت أمس من بعضي ومني

كأني ما لثمت لها شفاها

كأني ما وصلت ولم تصلني

كأني لم أداعبها لعوبا

ولم تهفو إلي وتستزدني

كأن الليل لم يرض ويروي

أحاديث الهوى عنها وعني

سليمى، من عبدتك بعد ربي

سواء في القنوط وفي التمني

غداً لما أموت وأنت بعدي

تطوفين القبور على تأني

قفي بجوار قبري ثم قولي

أيا من كنت منك وكنت مني

خدعتك في الحياة ولم أبالي

وخنتك في الغرام ولم تخني

كذا طبع الملاح فلا زمام

فطرن على الخداع، فلا تلمني

وإننا لنرجو أن يهتم هذا الشاعر العبقري فيخرج ديواني والده وعمه وديوانه الشعري الأنيق إلى ميدان الأدب لتزدان به المكتبة العربية، وليطلع الناس على مواهب أسرة (آل إلياس) الأدبية.

أما المعجم الذي ألفه عمه المرحوم أنطون إلياس في الأرجنتين بعنوان (أمهات اللغات) فهو مؤلف نادر له أهميته العلمية البالغة، ومن المؤسف أن يهمل شأنه بعد وفاة مؤلفه، ونحن نأمل أن يهتم الأستاذ نوفل بأمر جلبه من الأرجنتين ويقدمه هدية للمجمع العلمي العربي بدمشق، فهو أولى أن يحتفظ به كمخطوط أثري ويعنى بطبعه للاستفادة من مواضيعه.

على أن التاريخ سيحمل المترجم تبعات التواني في حال إهماله ذلك، هذا وقد رأينا بعض الأسر الكريمة وفي الطليعة (آل البستاني) تهتم بما خلفه نوابغها من آثار علمية وأدبية جليلة، فتجهد لإخراجها إلى حيز الوجود، تعميماً للفائدة وتخليداً لأصحابها، وبعض الأسر كأسرة (آل العظم) السورية التي رغم ثراء أكثر أفرادها فإنهم بكل أسف وقفوا أمام الراحلين من نوابغهم موقف العقوق والتنكر وعدم التقدير، فاندرست آثارهم وانطوت طي السجل للكتب.

*  *  *

 



([1])  (أ) (2/160 ـ 161).

الأعلام