جاري التحميل

نيفون سابا الأنطاكي

الأعلام

نيفون سابا الأنطاكي([1])
الشاعر المتفنن سيادة المطران نيفون سابا الأنطاكي

قل من رجال الكهنوت من تجالسه فلا يلقي على نفسك ظل ثوبه روعة وانكماشاً، وندر بينهم من يفيض من روحه عليك ألقاً من الأنس ويشعرك محضره وحديثه بانبساط ومتعة وسلوى، وما سيادة الحبر العلامة المطران نيفون سابا إلا واحد من هؤلاء الصفوة.

لمحة عن حياته: ولد سيادته في السويدية (أنطاكية) يوم السبت في السابع عشر من شهر آذار سنة 1890م، ودخل مدرسة البلمند سنة 1905م، وتقلب في مراتب الكهنوت حتى صار مطراناً في سنة 1925م، ومن أبرز أعماله إخلاصهومواقفه الوطنية المشهورة في الكنائس والجوامع والأندية في سوريا ولبنان، وقد تعرض للنفي مع عائلته مـن قبـل الأتراك فـي الحرب العالميـة الأولى، وخدم في أبرشيات اللاذقية وعكار وحلب وحمص وحماة قبل نصبه مطراناً على زحلة، واشتهر بدعاياته النبيلة لتوحيد القومية والابتعاد عن العنعنات الطائفية المضرة.

رحلته إلى البرازيل: وأوفده المجمع المقدس وغبطة البطريرك لتفقد شؤون الطائفة في أميركا الجنوبية، ولقي من الحفاوة والتكريم ما يليق بعلمه ومواهبه، وألقى عدة مواعظ في الكنائس وخطب في النوادي، وسمح بنشر منظوماته الدرية وطبعها وقد أرصد ريعها لمساعدة مئتي ولد يتيم وفقير يتعلمون في مدرسة القديس نيقولاوس في زحلة، وابتاع لها بناية وعززها ودعمها بمعلمين ومعلمات، يتفق عليها سيادته مما يدخره من وارداته الخاصة وأكف المحسنين.

شعره وفنونه: تعتبر دار مطرانيته ندوة دينية وأدبية وثقافية، وملتقى أهل العلم والفضل ومحجة لكل غاد ورائح، يتمتع سيادته فضلاً عن مكانته الدينية الجليلة بمكانة أدبية بارزة، يحمل أجمل وجه ـ جل الله خالقه ـ بين البشر، في محياه تتجلى آية البدر المنير، ومن لسانه يتدفق السحر المبين، في جبينه هيبة ووقار، صرفه كأس الحميا، وورده طل تندى من سوسن وياسمين، إذا نظرت إليه أو حادثته خلت نفسك بين يدي ملك أنيس.

ينظم القريض متى أراد، ويهوى الفن الموسيقي، وهبه الله الصوت الحسن والإلقاء البديع، وقوة الخطابة الارتجالية، يجول في ميدان البلاغة والبيان، فتنقاد أعنة القوافي لروح تفيض بسر قدسي.

ومن شعره البليغ قصيدة ناجى بها بلده (أنطاكية) معهد الوحي والإلهام في الحفلة التكريمية التي أقامتها الجالية الأنطاكية في سان باولو نقتطف منها هذه الأبيات:

ربوع الصبا حيتك غادية الصبا

تحيات ولهان لغيرك ما صبا

ولم يتخذ أمًّا سواك ولا أبا

ولا البعد أنساه رياضك والربا

ونفحة ريان من الورد والزهر

ومنها:

أيا بلدة الله المسماة بالعظمى

حبتك السما آياتها والهدى الأسمى

ثبت على البلوى وكنت لها مرمى

وكم تدفع الأرياح في عصفها اليما

وليس يبالي الدر بالمد والجزر

ومنها:

يغنيك من أبنائها صوت شاعر

يغني فيشجي كل شاد وطائر

يطوف على متن القوافي الزواهر

بكل طريف من معانيك ساحر

ومنك عليه أنزلت آية الشعر

وتتجلى عظمة عقيدته بأجلى معانيها في قصيدته الحكيمة التي نظمها بمناسبة عيد الجلاء السوري، فقال لافض فوه بغير اللثم والقبل:

لواء الحر حياك الولاء

فأنت لكل سوري لواء

فجل وعنك قد تم الجلاء

وغن فمنك يطربنا الغناء

وفاق، إلفة، حب، إخاء

ومنها:

لك الأرواح في الحرب العوان

تسيل على المهند واليماني

فإما الموت أو نيل الأماني

وينصرنا على غدر الزمان

وفاق، إلفة، حب، إخاء

وختمها:

ألا حي المعاهد والديارا

وته في أفق سوريا افتخارا

وهل تخشى من الدهر انكسارا

وللإسلام فيك وللنصارى

وفاق، إلفة، حب، إخاء

ومن وفاء سيادته وحبه لعروبته أنه لا يدع وسيلة تمر دون الضرب على وتر القومية الحساس، فاسمع ما قاله في نشيد السلام:

يا منشد الألحان حان

نقي من الأفراح راح

فهنا على الولهان هان

وعنا مع الأتراح راح

وختمه بقوله:

ما السلم إلا سلم

للعرب والإصلاح لاح

صلوا عليه وسلموا

فبنا الحجا يا صاح صاح

صوت السلام دوى وطن

حيوا السلام بكل آن

إن اتحاد بني الوطن

إنجيل والقرآن آه

واتقدت في حنانه شعور الأبوة الروحانية، فبارك إكليل العروسين النيرين رجا توفيق يازجي وعائدة وجيه العروبة الكبير المفضال عزيز سمين الحمصي بتاريخ 30 آب 1947م، فأرخه قائلاً:

مثلا لدى عرش الوفا هو عابد

في حبها وبحبه هي عابده

وتردد الكهان آيات الدعا

لله في صلواتهم متصاعده

وعرائس الأملاك والأفلاك في

عرس تشارك غيدُه وخرائده

فسألتها يا ربة الأعراس جو

دي بالهناء لواحد ولواحده

قالت وفي برج العروس قد انجلى

نجمٌ يشعشع بالحياة الراغده

إن الأماني أرخوها للمدى

غرراً إلى أوفى رجاءٍ عائده

 

 

p  p p

 



([1])  (أ) (1/131 ـ 132).

الأعلام