جاري التحميل

هنري لامنس

الأعلام

هنري لامنس([1])
الأب هنري لامنس

(1862 ـ 1937م)

مولده ونشأته: ولد في 1 تموز سنة 1862م في مدينة غاند في بلجيكا، ترك مسقط رأسه في الخامسة عشرة من عمره وأتى لبنان، فجعله وطنه الثاني، فأحب سكانه ولغته وتقاليده، دخل الكلية اليسوعية في بيروت تلميذاً وأنهى دراسته، وفي 23 تموز سنة 1878م، دخل دير الابتداء في غزير وقضى سبع سنوات في درسالبيان والخطابة العربية واللغات، فكان ضليعاً بمفرادتها وتراكيبها وضبط أصول فقهها.

وفي سنة 1889م عاد إلى الكلية اليسوعية في سلك المعلمين، فقضى أربع سنوات في تدريس البيان، وفي سنة 1903م كان معلماً للتاريخ والجغرافيا، وفي سنة 1907م كان أستاذاً في معهد الدروس الشرقية المؤسس في الكلية، فتوفرت بين يديه وسائل الاختصاص في دور الكتب، وفي مرافق التعليم والبحث والتأليف، وتعمـق فـي البحث والتنقيب والاسـتنتاج، وصـار حجـة عصره في اختصاصه.

مؤلفاته: كان أديباً لا تفوته رواية عربية أو إفرنجية ظهرت في مجلة، تعلم سائر اللغات الأوروبية العلمية فأتقنها، ودرس اللاتينية واليونانية، فكان خبيراً بقراءة كتاباتها الأثرية المنحوتة على صخور لبنان الخالدة، ويفسرها ويناقش العلماء الأثريين في مواضيعها، وكان واعياً فاضلاً وكاهناً عالماً واسع المعارف متخصصاً في الدروس الشرقية العربية من تاريخية وجغرافية.

وفي الثلاثين من عمره نشر مؤلفات كانت نتيجة إجتهاده المتواصل، منها: 1 ـ كتاب الفرائد في الفروق، وفيه مواد شهدت له بسعة المطالعة، جمع شتاتها من اللغويين، ورتبها الترتيب العلمي وضبط أحكامها أخذاً عن كليات أبي البقاء وتعريفات الجرجاني والجزائري والحريري والطوسي وابن قتيبة والسيوطي والفضل والليث والثعالبي وغيرهم من الأعلام الخالدين، فألف من أقوالهم 1639 بنداً، كل بند حوى المترادفات وفروقها، 2 ـ وألف كتاباً بالألفاظ الفرنسية المشتقة من العربية معالجاً أمر الألفاظ التي سبقه المستشرقون إلى معالجتها، فنقد أقوالهم وأكملها واستنبط من سعيه فوائد مكتشفة من خوض المناقشة اللغوية مع أئمة علم اللغة المعاصرين، وستكون مؤلفاته مرجعاً وحجة، 3 ـ كتاب الترجمة بجزأين، وهو في البيان والجغرافية والتاريخ والعلوم الطبيعية، 4 ـ كتاب سورية وخلاصة تاريخها، 5 ـأخرج مؤلفاته في الدولة الأموية، ومن أبرز مؤلفاته المخطوطة: 6 ـ السيرة النبوية عن حياة الرسول الأعظم ـ ﷺ ـ والقرآن الكريم والمذاهب والتصوف والإصلاح والتجديد، وفصولاً عن الجزيرة العربية، وقد قضى نحبه وهذه الأبحاث مطوية في دفاتره، ورغم مخالفة علماء الإسلام له في كثير من آرائه، إلا أنهم يكبرون جهاده العلمي في هذه المواضيع.

وقد كان بوسع هذا المستشرق النابغة أن يطبع كتبه باللغة العربية، لكنه ألفها لتكون مجالاً لثقافة واسعة، فحررها باللغة الفرنسية وعوّل على قلم غيره في ترجمتها.

رحلاته العلمية: من سنة 1891م إلى سنة 1897م تنقل بين المشرق والغرب، فدرس اللاهوت في إنكلترا وبيروت وفي فينا عاصمة النمسا أتقن اللغةالألمانية، وطاف البلاد السورية وهو الذي عين موقع (قادش) على نهر العاصي، وطاف الحدود السورية الفلسطينية حيث تقفّى آثار الصليبيين، وكتب عن تلك البقاع وأخبرنا عن سكانها القدماء وعن الحاليين من نصيرية ويزيدية ومتاولة.

كان كالعامل الجبار الذي بلغ غايته وعجن المادة فلانت بين يديه فجبلها من غير عنت ولا عناء، وفي سنة 1927م توفي الأب لويس شيخو مدير مجلة المشرق، فعهد إليه بإدارة المجلة، وتولى إدارة جريدة البشير مرتين من سنة 1894م إلى سنة 1903م، ولكن ضعف قواه البدنية حال دون بقائه في إدارة الدروس، واحتمل من المتاعب والأمراض التي اعترته واستوجب إجراء العملية الجراحية ثلاث مرات، فاستعجلت شيخوخته وحلت قواه وأوهت ذراعه عن القلم، إلى أن شلت يده برجفة مرض الفالج، فكف عن التحرير، وظل يراقب حركة النشر في المجلة، وآخر كلمة سطرها هي توقيع اسمه على صك تدشين دار الكتب الكبرى.

وفاته: وفي اليوم الثالث والعشرين من شهر نيسان 1937م طوى الموت هذا الراهب العالم الذي كان من أكبر الدعاة إلى الاتفاق والتآخي بين الطوائف، وتحدث في حفلة تأبينه عن مآثره وآثاره الخالدة.

 

p  p p

 

 


 



([1])  (أ) (2/311 ـ 312).

الأعلام