جاري التحميل

وديع البستاني

الأعلام

وديع البستاني([1])
(1888 ـ 1954م)

هو أكبر أدباء العصر، شاعر عبقري وثائر بليغ يصوغ المعاني عقوداً كاللآلئ المنضودة، وجهبذ عالم باللغات، يكتب الإنكليزية ويتكلمها كأبنائها المتضلعين منهـا، ويجيـد غيرهـا، خطيب مصقـع، ومحدث ساحر بفصاحة لسانه، وراوية لا ينضب معينه، ومنشئ عظيم، وهو يعد مع ابني عمه العبقريين الأستاذين بطرس أفرام وفؤاد أفرام البستاني أكثر البستانيين إنتاجاً في الحقل العلمي والأدبي.

كان متضلعاً بالتشريع القانوني ومحامياً من أبرز المحامين وأبعدهم صيتاً، ومن قادة الحركة الفكرية.

مولده ونشأته:  هو ابن فارس عيد البستاني، ولد في الدبية معقل نوابغ البساتيين، وتخرج من الجامعة الأمريكية ونال إجازتها في العلوم والآداب سنة 1907م، وعهد إليه بتدريس العربية والفرنسية في الجامعة المذكورة مدة سنتين، ثم استقال ليتولى أمانة الترجمة للقنصلية البريطانية في الحديدة من أعمال اليمن في أواخر سنة 1909م.

في مصر: جاء مصر فعين في وزارة الأشغال العامة لوظيفة لزم فيها العلم باللغات الإنكليزية والفرنسية والعربية، وفي أثناء خدمته كان يتعاطى التعريب.

آثاره الخالدة: نقل مؤلفات اللورد (إيفيري) المشهورة، وهي أربعة: (معنى الحياة)، و(السعادة والسلام)، و(مسرات الحياة)، و(محاسن الطبيعة).

وفي سنة 1911م قضى إجازته في لندن لدراسة رباعيات عمر الخيام في مكتبة المتحف البريطاني، وفي أوائل سنة 1931م ظهرت الطبعة الأولى لمؤلفه المعروف بـ (رباعيات الخيام)، وكان هو الناقل الأول لهذا الأثر الشرقي الفارسي العالمي المشهور، وكتابه هذا يشتمل على مقدمة بليغة و(81) سباعية تتألف من نشيدين، كل نشيد مؤلف من (40) سباعية، على أسلوب من التوشيح ابتكره أستاذه سليمان البستاني، وقال في ديباجته المشرقة: إنه إنما فتحه باباً من أبواب الأدب ليلجه غيره بعده. وقد تحققت أمنيته، فتبعه في نقل الرباعيات بعض الشعراء.

وقد اهتم العالم العربي لظهور رباعيات الخيام بقلم المترجم النابغة، وفي سنة 1912م سافر إلى الهند، حيث أقام سنتين، وفي سنة 1914م زار الشاعر العالمي (رابندرات طاغور)، وأقام في ضيافته، وعرض عليه ما عربه من شعره ثم عاد إلى مصر.

ومن آثاره الأدبية أثناء إقامته في جنوبي إفريقيا منظومة بعنوان (رباعيات الحرب)، و(رباعيات أبي العلاء)، نظمها باللغة الإنكليزية ترجمة لمختارات انتخبها من اللزوميات، وهذا الكتاب لم يطبع بعد.

وعاد المترجم في ربيع 1916م إلى القاهرة، فطلب إلى وظيفة في وزارة الداخلية، وفي سنة 1917م أصدر تعريبة لمختارات من شعر طاغور عنوانها (البستاني)، وكانت أول ما نقل إلى العربية من شعر طاغور.

وفي شهر تشرين الثاني من سنة 1917م عين المترجم مساعداً مدنياً عربياً للكولونيل باركر، وكان أول وأكبر موظف مدني في حكومة فلسطين، وانتهت خدماته سنة 1930م بعد ما عاناه من شقاء في مقاومة الصهيونية.

 كان المؤسس للجمعية الإسلامية المسيحية التي عرفت فيما بعد باسم (اللجنة العربية التنفيذية للمؤتمرات العربية) إلى أن قامت ثورة سنة 1937 ـ 1940م فحلت محلها (اللجنة العربية العليا)، وكان المترجم من أعضاء اللجنة التنفيذية حتى سنة 1934م.

 وفي سنة 1933م كان عضواً وسكرتيراً للوفد العربي الفلسطيني الثالث إلى لندن، وهو الوفد الذي كانت مهمته الحيلولة دون إبرام المعاهدة الإنكليزية العربية المعروفة (الحسين ـ كرزن).

 طلب علم الحقوق من معهده الخاص في القدس، ونال شهادته وإجازة المحاماة سنة 1920م، وقد تابع الاشتغال بالمحاماة إلى أن سلم مكتبه إلى ولده المحامي اللامع الأستاذ فؤاد.

آثاره الخالدة: 1 ـ دراسة أدبية نقدية لرباعيات عمر الخيام 2 ـ تعريب موجز للملحمة الهندية المعرفة بـ (الراميانة)، وهذه تماثل ملحمة هوميروس المعروفة بـ (الأوذسية)، وعدد الأبيات العربية (3950) وعليها نحو ألف حاشية بيـن أدبيـة ولغوية 3 ـ المسرحية السنسكريبتة المشهورة شاكتتلا أو الخاتم المفقود 4 ـ القصة المبهراتية المشهورة وعدد أبياتها العربية (1350) 5 ـ ألغيتة (النشيد الإلهي)، وهي أدب هندي، شعر ونثر معرب 6 ـ (موجز الأساطير الهندية) نثر 7 ـ رسالة في الألف والهمزة والياء 8 ـ (كليلة ودمنة) تعريب نظمي ونثري لخمسة أبواب من كتاب كليلة ودمنة 9 ـ(رباعيات أبي العلاء) 10 ـ مجاني الشعر 11 ـ ذكرى الفراق 12 ـ (إلى ذي عبقر) قصائد وحواش مهداة للشاعر شفيق المعارف 13 ـ (خمسون عاماً في فلسطين) وهو معرب 14 ـ الانتداب الفلسطيني باطل ومحال، وقد ظهرت في عام 1952م.

ومـن آثـاره المطبوعـة: تعريـب موجـز للملحمة الهندية الكبرى المعروفة بـ (المهبرانة)، وهي ملحمة تشبه (الياذة هوميروس)، وقد وقع التعريب في (3480) بيتاً من الشعر العربي، وعلق عليها بنحو ألف حاشية، وكان الفضل بطبعها عام 1952م لولده الأستاذ فؤاد، حيث طبعت على نفقة خريجي الجامعة الأمريكية، وتقديراً لجهود هذا العبقري قررت حكومة الهند رصد المبلغ اللازم من المال لطبع أثار المترجم الهندية ونشرها، ولما وقعت كارثة فلسطين كان وقريبته السيدة روز ديمتري في حيفا يقاسيان مرارة الشوق وألم البعد عن أولادهما، وقد غامر فؤاد بروحه ودخل فلسطين خفية وأقنع والديه بالعودة إلى لبنان، فكان ذلك في 12 شباط 1953م.

حفلة تكريمه: وتنادى رجال الأدب لتكريمه، فأقاموا في قاعة الجامعة اللبنانية (الأونيكسو) حفلة كانت في 16 أيار 1953م قلده فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية الأستاذ كميل شمعون وسام الاستحقاق اللبناني المذهب، وعلى أثرها ألقى الشاعر العبقري في ختام الحفلة قصيدة بليغة نقتطف منها قوله:

حي في الهند أمة يقظانة

نبهت كل مقلة وسنانه

إنه الشرق، بعد تجديد غندي

جدد الدهر عهده وزمانه

عل غندي من غنية المهبراتا

بعد نهل من كوثر الراميانه

برهميًّا، من أمة الفكر والروح

أتانا، لا برهمي كهانة

ومنها:

أيها الحافلون بالشعر حولي

يا رعى الله فيكم مهرجانه

إنه شعر شاعر هندوي

فاحمدوا سحره له وبيانه

لست للشاعر المخلد إلا

شبه ظل، للضاد أدى الأمانه

ومنها:

صدق القارئان لله فينا

ذاك إنجيله وذا قرآنه

وطني جنتي على الأرض حتى

يفسح الله في السماء جنانه

وطني الفكر والثقافة لبنا

ن، إن عد شرقنا أوطانه

شاء لبنان أن يكون منارا

يملأ الخافقين نوراً فكانه

وفاته: وفي صباح يوم الثلاثاء التاسع عشر من كانون الثاني 1954م انتقل إلى عالم الخلود، بعدما بنى صرح مجد أدبي شامخ، فوق صروح المعالي الراسخات القواعد لمن سبقه من أسرته النبيلة، واحتفل بتشييع جثمانه إلى مرقده الأخير احتفالاً مهيباً، وألحد الثرى في مقبرة أسرته في الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم الأربعاء 2 كانون الثاني 1954م بالديبة، ورثاه غبطة البطريرك بولس المعوشي رثاء بليغاً مؤثراً، وقد أعقب السادة فؤاد ونعمان وفائز وليلى.

*  *  *

 



([1])  (أ) (2/263 ـ 265).

الأعلام