جاري التحميل

يحيى اللبابيدي

الأعلام

يحيى اللبابيدي([1])
الفنان الموهوب يحيى اللبابيدي

ويل للدهر ما أقساه، فقد جعل النوابغ فداء عسفه وضحايا مآسيه، ولو استقصينا أعمار النابغين من أهل الفن نرى الكثير منهم قضوا نحبهم وهم في ريعان الشباب والكهولة، فمنهم من أكمل رسالته المنشودة، ومنهم من أفل نجمه قبل نضوجها، ومن هؤلاء النوابغ الفنان الألمعي المرحوم يحيى اللبابيدي.

أصله ونشأته: هو ابن المرحوم أحمد اللبابيدي، ووالدته السيدة ثريا الفاخوري من عائلة الفاخوري المعروفة، ولد هذا الفنان في مدينة بيروت سنة 1900م، وأسرة اللبابيدي قديمة العهد في بيروت، أتمَّ الفقيد التحصيل الابتدائي والثانوي في مدارس بيروت، ثم التحق بالجامعة الأمريكية في فرع طب الأسنان، ولكن نزعته الفنية تغلَّبت عليه فطغت على شعوره، فما لبث أن هجر الجامعة إلى عالم الموسيقى.

فنه وألحانه: ولما فكرت حكومة فلسطين في إنشاء محطة الإذاعة في القدس وقع الاختيار عليه فكان مديراً للقسم الموسيقي فيها، فأدار العمل الفني بتوجيهات حكيمة موفقة، واستمر مدة أربع سنوات ينتج ألحاناً رائعة كانت تذاع من المحطةواشتهرت بجمال معناها ومغزاها، وقد ذاع صيته في الأوساط الفنية، ثم صاهر عائلة الدجاني في القدس فاقترن سنة 1937م وأعقب ذكراً وأنثى.

ثم اختير فيما بعد فكان مديراً للقسم الموسيقي في محطة الشرق الأدنى للإذاعة العربية.

كان رحمه الله كثير الإنتاج الفني، فلحن الكثير من القطعات والأناشيد البديعة، وكانت أناشيده ذات صيغة وطنية، منها نشيد الكشاف، ونشيد العمل، ونشيد أسواق الحجاز، ولحن ألحان كثيرة من النوع الانتقادي، وكانت قريحته تجود بنظم هـذه الأغانـي ويلحنهـا بأسلوب رائـع جذاب، وبالرغم مـن صوته المحدود فقد كان يعزفها على البيانو عزفاً شيقاً ينمّ عن ذوقه الفطري للفن، وله إلمام بالعزف على آلة العود، ومن ألحانه المستعذبة (هات يالله هات)، والدنيا هيه هيه، وكل شيء افرنجي برنجي، وفيها من النقد اللاذع دفاعاً عن عروبته وقوميته ما يثير الإعجاب بوطنيته ومتانة مبادئه وأخلاقه الفاضلة.

وفاته: كان رحمه الله يعدّ البرامج الفنية ويلحنها للإذاعة بصفته مديراً فنيًّا له، وناله الإجهاد والتعب، فأحرق نفسه كالشمعة ليضيء بنور روحه شعلة الفن، فتكالبت عليه الأمراض وأصيب بنزيف داخلي فقضى مأسوفاً على شبابه وفنه وهو في سن الكهولة المبكرة، وذلك في اليوم الثالث عشر من شهر مايس 1943م، ودفن في مقبرة أسرته في بيروت، وقد أجمع الفنانون على تقدير مواهبه وتحليه بالأخلاق الفاضلة، رحمه الله.

*  *  *

 



([1])  (أ) (1/358).

الأعلام