يعقوب صروف
يعقوب صروف([1])
الدكتور يعقوب صروف
(1852 ـ 1927م)
مولده ونشأته: هو يعقوب بن نقولا صروف، ولد في 18 تموز 1852م في قرية (الحدث) بلبنان، وتلقى العلوم العالية في المدرسة الكلية السورية في بيروت، ونال سنة 1870م شهادة (بكالوريوس) في العلوم مع أول فرقة خرجت منها، وأقام سنتين في صيدا يدرس المرسلين الأميركيين اللغة العربية، واختارته عمدة الكلية السورية لتدريس العلوم الرياضية والفلسفة الطبيعية، وتركها سنة 1884م بعد أن درس فيها إحدى عشرة سنة.
مؤلفاته: 1 ـ ألف وهو في المدرسة الكلية كتاباً كبيراً في الكيمياء، وترجم كثيراً من الكتب الأدبية، وهي 2 ـ سر النجاح 3 ـ الحرب المقدسة 4 ـ الحكمة الإلهية، وترجم بالاشتراك مع رفيقه الدكتور فارس نمر كتاب 5 ـ سير الأبطال والعظماء 6 ـ مشاهير العلماء، وأنفقا أجرة ترجمتهما على مدرسة يومية كانا يقومان بنفقاتها، ووصف هذه التراجم في اللغات العربية والإنكليزية والفرنسية.
ولكن العمل الأعظم والتأليف الأكبر الذي وقف له العمر هو إصدار (مجلة المقتطف)، فقد أنشأها بالاشتراك مع الدكتور فارس نمر سنة 1876م وهما في المدرسة الكلية، وظلا يحررانها سوية إلى أن أصدر المقطم سنة 1889م، فانقطع الدكتور نمر لإنشاء المقطم، والدكتور صروف لإنشاء المقتطف، وأقام أربع سنوات يكتب أكثر ما ينشر في مجلة (اللطائف) لمنشئها شاهين مكاربوس.
الهجرة إلى مصر: انتقلا إلى القطر المصري سنة 1885م، وكانت شهرتهما العلمية قد سبقتهما إليه، فرحب بهما عظماء مصر وعلماؤها، وانفرد الدكتور صروف بإنشاء مواضيعها (أي المقتطف) الفلسفية والعلمية والأدبية.
كان لا يدخر وسعاً ولا يضن يتعب مهما كان شاقًّا في سبيل إنماء موارد المقتطف وتعميم فوائدها، وكثيراً ما تدعوه كتابة مقالة واحدة إلى تصفح كتاب كبير أو كتب كثيرة، كمقالاته في (نوابغ العرب والإنكليز)، فإنه لما أخذ يقابل بين أبي العلاء المعري والشاعر (ملتن) الإنكليزي اضطر أن يتصفح ديوانه المعروف بسقط الزند وديوان ملتن المعروف بالفردوس المفقود، ثم عاد إلى ديوان المعري وأشار إلى كل الأبيات التي حسب أن لها ما يقابلها في أشعار ملتن، وكرر على ديوان ملتن حتى اختار منها أبياتاً متشابهة اتفق خاطراهما فيها، وفعل مثل ذلك لما قابل بين (مقدمة ابن خلدون) وما كتب الفيلسوف هربرت سينسر في علم الاجتماع الإنساني، وكذلك لما قابل بين سيرة السلطان صلاح الدين الأيوبي والملك رتشرد قلب الأسد الإنكليزي.
وكانت له طريقة مبتكرة في المقابلة بين أقوال المتقدمين والمتأخرين، ونثره سلس بعيد عن التعقيد، يكره غريب الألفاظ ويبعد عنها جهده، ويرى اللغة وسيلة لا غاية، ولم يخالف قواعد اللغة، فهو الفصيح الجدير بالاتباع.
شعره: نظم المترجم الشعر الجيد وهو في الرابعة عشرة من عمره، وسمع أستاذه في اللغة العربية الشيخ ناصيف اليازجي يقول: إن بضاعة الشعر بارت وسوق الآداب كسدت وانحط مقام الشعراء، فرغب عن الشعر وعقد النية على أن لا يقوله في التزلف إلى مخلوق، وهذا نموذج من قصيدته في وداع باريس نقتطف منها بعض أبياتها:
ودعت باريس مفتوناً بمرآها | وأي حسن تجلى من محياها |
وجاه ملك رفيع الشأن جاورها | دهراً طويلاً ولم يبرح بمعناها |
رواقه مسبطر في معالمها | وبدره مشرق في أوج علياها |
مرسومة في جبين الدهر صولته | تتيه عجباً بأولاها وأخراها |
وعصبة عصمتهم في صناعتهم | آلهة الحسن فاستهدوا بسيماها |
وخلدوا ذكر أرباب السيوف ومن | فاق الورى حجة أو فاقهم جاها |
خدماته الاجتماعية: تولى رئاسة (جمعية شمس البر) في بيروت بضع سنوات، ثم رأس (المجمع العلمي الشرقي)، وهو الذي وضع قانونه وله اليد الطولى في تأسيسه، وفي سنة 1890م نال لقب دكتور في الفلسفة من الجامعة في نيويورك.
رحلاته: لقد زار عواصم أوربا سنة 1893م ومرة أخرى سنة 1900م، أثناء معرض باريس العام، وكان له الفضل في نقل علوم الغربيين والأميركيين إلى ربوع الشرق بواسطة المقتطف، وقد خدم أبناء الشرق بمراسلة الكثيرين من علماء أوروبا وأمريكا الذين كانوا يعتمدون عليه في تحقيق المسائل العلمية الموجودة في الكتب العربية، فيكاتبونه في ذلك، وهو يبذل الجهد في إجابة طلبهم.
اقترن سنة 1878م بالسيدة ياقوت بركات، وهي من فضليات النساء ومن أوفرهن علماً وأبلغهن إنشاء، وهو ينسب نجاحه وتمكنه من مواصلة أشغاله العقلية إلى مشاركتها له في الرأي وإلى الراحة البيتية التي منحه إياها، وقد وافاه الأجل عام 1927م.
* * *