جاري التحميل

يوسف الأسير

الأعلام

يوسف الأسير([1])
الشيخ يوسف الأسير
(1815 ـ 1889م)

مولده ونشأته: هو أحد أعلام العرب الذي نبغ في العلوم الفقهية واللغة والحديث والتوحيد والتفسير والشعر والمنطق، فكان إماماً يرجع إليه في المعضلات العلمية.

ولد الشيخ يوسف بن عبد القادر الأسير في صيدا سنة 1815م، وقد أسر جده في أحد الحروب وأقام في مالطة فلقب ونسله (بالأسير)، والأسرة حسينية النسب، تعلم أولاً عند الشيخ أحمد الشرمبالي المصري نزيل صيدا، ثم قصد المدرسة المرادية في دمشق، ولازم حلقات الدراسة فيها.

سفره إلى مصر: ودفعه طموحه العلمي، فسافر إلى مصر واستكمل العلوم في الجامع الأزهر مدة سبع سنين، ثم علم في القاهرة أولاد بعض الأعيان، وامتحن تلاميذ المدارس العليا، وذاعت شهرته في الأوساط العلمية.

عودته إلى وطنه: عاد إلى بلده صيدا وأقام فيها مدة، ثم توجه إلى طرابلس وقضى فيها ثلاث سنين، وهناك درس عليه الكثيرون في حلقته المشهورة بالمسجد المنصوري الكبير، وأخذ عليه العلم كثير من فضلاء سكانها، ومن تلاميذه فيها مارونيان: البطريرك يوحنا الحاج، والمطران يوحنا الحبيب، وكانا يدرسان عليه اللغة العربية والعلوم الإسلامية ويبادلانه حبًّا بحب لسمو تفكيره ورقته في الحديث وبعده عن التعصب الأعمى، وبعدها عاد يعلم في بلده، فقصده التلاميذ من جميع الأنحاء مستفيدين من علمه.

سفره إلى الأستانة: سافر إلى الأستانة ورشحه شيخ الإسلام ليكون قاضياً في إحدى الولايات، فاكتفى بمعاش ألف غرش شهريًّا يقتصر على التعليم دون سواه، وعاد فولي القضاء في المتن وكسروان في عهد الأمير حيدر أبي اللمع أربع سنوات، وترأس كتاب محكمة الشرع في بيروت أعواماً.

في عكا: وعهد إليه بمنصب الإفتاء في عكا، ثم صار نائباً عامًّا للقضاء في جبل لبنان زمن المتصرف داود باشا مدة أربع أعوام.

عودته إلى الأستانة: اختارته وزارة المعارف لتدريس اللغة العربية في دار المعلمين بالأستانة، وعين عضواً في مجلس الشورى فاعتذر، وكان أستاذاً لعدة وزراء عثمانيين وبعض سفراء الدول، ولما عاد إلى بيروت مستقراً فيها علم اللغة والفقه والحقوق في المدرسة الوطنية للبستاني، وفي الكلية السورية الإنجيلية للمرسلين الأميركان، وفي مدرستي الثلاثة أقمار للروم الأرثوذكس، والحكمة المارونية، وتلاميذه الخصوصيون في منزله عديدون من أبناء الوطن والأجانب إكليروس وعلمانيين، وتخرج على يديه علماء أفادوا المجتمع بعلومهم وفضائلهم أمثال المستشرق مرتين هرغان الألماني، وغبطة البطريرك غريغوريوس الرابع البطريرك الأنطاكي للروم الأرثوذكس.

مؤلفاته: 1 ـ ألف كتاباً في الفقه سماه (شرح رائض الفرائض) 2 ـ وشرح كتاب أطواق الذهب للزمخشري 3 ـ ووضع رواية تمثيلية أسماها (سيف النصر) 4 ـرسالة دعاها (إرشاد الورى لنار القرى) انتقد فيها كتاب نار القرى في شرح جوف الفرا لليازجي، 5 ـ كتاب رد الشهم للسهم رداً على كتاب الشيخ سعيد الشرتوني، وخطأ الدكتور بشارة زلزل في وصفه كتاب العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطيب المتنبي لليازجي ناصيف وولده إبراهيم، 6 ـ حجج كليات أبي البقاء الحسيني الحنفي 7 ـ ألف كتاباً مهمًّا على نسق المعاجم من الإنسان والحيوان والنبات والأرض والجو، وقد فقد بعد مماته 8 ـ رسالة شعرية بأسماء الجراد، أصلح ترجمة المجلة العثمانية في القوانين الشرعية والأحكام العدلية مرتين.

عاون الدكتور فانديك والشيخ ناصيف اليازجي في تعريب الكتاب المقدس (التوراة والإنجيل)، ونظم ترانيم روحية مسيحية يترنم بها الإنجيليون في المعابد والمنازل على الدوام، حوتها كتب ترانيمهم.

وتولى تحريـر جريدتـي ثمرات الفنـون ولسان الحال مـدة من الزمن، وله مقالات ورسائل وعدة كتب احترق بعضها والبعض بقي مخطوطاً بعثرتها الأيام.

كان واسع الرواية، دقيق الانتقاد، ثقة في العلوم العربية والفقهية، ومن أكبر المحدثين على الاطلاق الذين تفخر بهم العروبة، ويعده العلماء المعاصرون بأنه من الأئمة الذين قل نظيرهم في العلوم، وقد مدحه صديقه الشيخ ناصيف اليازجي ببيت هو من غرر الشعر، ويمثل أخلاق العلامة الأسير خير تمثيل، قال:

يقلب في المسائل كل طرف

ويلقي الناس بالطرف الغضيض

شعره: لقد نبغ في اللغة والمنطق والشعر نبوغاً نادراً، وكان ذا ذاكرة غريبة يحفظ أشعار العرب وأخبارهم، وكان من العلماء الذين يصعب التغلب عليهم بغير الحجة والبرهان، إنشاؤه عربي صميم، غيور على اللغة صرفاً ونحواً وإعراباً، يرمي البيان بذوقه الخاص، ولو ساعدته الفرص على تدوين معارفه من العلوم لزاد نفعه أضعافاً، ومن آثاره الشعرية 9 ـ ديوان شعر مطبوع عنوانه (الروض الأريض) 10 ـ نظم أرجوزة (رائض الفرائض) وهي مؤلفة من (520) بيتاً على مذهب النعمان أبي حنيفة، وشرحها كتاباً في ثلاث مئة صفحة، طبعها مرتين، وهذا نموذج من روائع شعره:

إذا ابتسم البرق الحجازي في الفجر

أقول لدمعي حان وقت البكا فاجر

أخال سليمى بالثنايا تبسمت

فأومض ذاك البرق من ذلك الثغر

فرفقاً رفاقي بالذي عمه الضنا

فلست بخال مثلكم فالهوى عذري

وكونوا معي وارثوا لسائل مدمعي

فإني إذا أمسيت أصبح كالنهر

وأمر الهوى عند الذي لم يقاسه

غريب وقيسٌ قاس ذلك بالسحر

وشرع الهوى صعب فيعسر شرحه

وسلطانه في عرشه غالب الأمر

وما كل حب يمكن الصب كتمه

إذا مدّ ماء النهر فاض على الجسر

وحاولت كتمان الهوى فوجدته

محالاً على مثلي وفضح الهوى قهري

أوراي أوراي والدموع تذيعه

ومارجهُ في القلب يسطع كالجمر

ومن قوله في الوجد وقد أبدع:

خليليَّ سيرا بي فقد أشرق الشرق

وهبت صبا نجد فهاج بي العشق

رفيقيَّ جدّا بي لنجدٍ فلي به

مقر الهوى والطرف والجد بي رفق

وإن لم تسيرا بي دجًىخيفة الوجى

أجنّ الجوى قلبي وأرقني الخفق

وما بكما وجدي فإن لم تبقيا هنا

ولم تنجدا أنجد ولو طالت الطرق

نعم في فراق الألف والأهل كلنا

ولكنما بيني وبينكما فرق

فإن التي قد ودعتني ودعتها

وفي طرفها ودق وفي كبدي حرق

وإني لأرضى أن أكون أسيرها

مدى الدهر مالي من يدي أسرها عتق

أحواله الخاصة: تزوج ابنة عمته كريمة الشيخ محمد النقيب الحسني النسب، ورزق خمسة صبيان وابنتين، ومن أولاده الدكتور حسن مدير صحة ولاية بيروت ورئيس جمعية الأطباء في لبنان، ومصطفى مؤلف كتاب النبراس ومآثر دين الإسلام، وحفيده الأستاذ الشاعر الموهوب صلاح الأسير، وهو أديب معاصر، يحمل مشعل آل الأسير العلمي، وقد ذاع صيته.

وفاته: وفي 6 ربيع الأول 1307ﻫ و28 تشرين الثاني 1889م انتقل إلى عالم الخلود، ونعته عشر جرائد وعدة مجلات ورثاه عشرون شاعراً من جملة مذاهب، وجع مراثيه الشيخان إبراهيم الأحدب وأبو حسن الكستي في كراس عام وفاته، ودفن في بيروت.

*  *  *

 



([1])  (أ) (2/325 ـ 327).

الأعلام